شيخوخة

نشر في 01-03-2024
آخر تحديث 29-02-2024 | 19:54
 دانة الراشد

نعيش في عالم يقدس الشباب، ويرى الجمال محصوراً في مظاهر الخصوبة اليانعة، وفي المقابل يتم التعامل مع التقدم بالسن بخوف ودفاعية شديدين، فنرى كل هذا الهوس في الحفاظ على المظهر الشبابي– حتى إن كان ذلك مصحوباً بأضرار جانبية- ونلاحظ قلة تمثيل شريحة كبار السن في الإعلام من دعايات وأفلام وغيرها إلا فيما ندر أو بصورة سلبية، أما الحديث عن الموت فهو موضوع يتم تجنبه وإلهاء النفس عن هذا الواقع المحتوم بالمزيد من الملذات.

لاعجب إذاً أن نرى مصطلح التمييز ضد المسنين ageism قد بدأ بالظهور في العالم الغربي، فهناك يشعر المرء بأنه يختفي شيئاً فشيئاً كلما تقدمت به السن، فلا أحد يعير آراءه «القديمة» أي اهتمام، ويضرب بخبراته عرض الحائط مقابل الوجوه والدماء الشابة الجديدة، حيث ينقلب بين ليلةٍ وضحاها من أكبر مدير في شركة ما إلى مجرد «متقاعد»، أي لا أحد وفقاً للنظام الاستهلاكي الجشع الذي يستهلك حتى البشر وسنوات أعمارهم الثمينة، أضف إلى ذلك التفكك الأسري الكبير الذي يعانيه الغرب ونحصل بذلك على وصفة سوداوية متكاملة من الوحدة والبؤس.

قد نكون أفضل حالاً بقليل من العالم الغربي، ففي السابق كانت تزداد مكانة المرء الاجتماعية أوتوماتيكياً كلما تقدم به السن، فلا أحد يمكنه إنكار سلطة «الحجية» أو «الوالد القائد»! فمجتمعاتنا تؤمن أن احترام الكبير واجب، لكنني أرى ذوبان وتفتت هذه القيم في زمن «السوشال ميديا»، فنحن لم نعد نفرق بين السطحية والعمق، أو بين المعلومات العابرة والحكمة، ولم نعد نملك الصبر الكافي لتلقي خبرات كبار السن وحسن الاستماع إليهم، وفي حين نملك نظام «الديوانية» الذي يضمن نوعاً من الترابط الاجتماعي، فإن أغلب المجتمعات قد فشلت في دمج كبار السن بالمجتمع والاستفادة من خبراتهم، بل زجت بهم في دور الرعاية، وهنا أخمن أن تجنب التعامل مع كبار السن قد يكون له بُعد خفي وهو الخوف من أن ينتهي بنا المطاف «شياباً» نحن الآخرين!

وعلى الرغم من تطور تكنولوجيا التشافي فإننا سنشيخ جميعاً لا محالة، عاجلاً كان ذلك أم آجلاً بمساهمة تلك التكنولوجيات التي تطورت بشكل متسارع وكبير وزيادة الوعي بأنماط الحياة الصحية وعاداتها، والتي أعتقد أنها جميعاً ستطيل متوسط عمر الإنسان بشكل ملحوظ في السنوات القليلة القادمة.

أعتقد أن بداية حل هذا «المشكل» تبدأ بتقبل هذا الواقع، أي حتمية أننا سنشيخ ونرحل عن هذا العالم في يومٍ ما، وفي حين قد تتناقص قوة الجسد سيزداد في المقابل مخزون التجارب الحياتية وعمق المعرفة.

الحياة مواسم، وللخريف جماليته الفريدة مثلما للربيع زهوته الخاصة، فلن نتطور ولن ننمو إذا ما ظللنا عالقين في مرحلة ما، وبالتأكيد فإنه من المهم العناية بصحة الجسد قدر المستطاع، فهو مركبتنا في هذه الحياة، والإقرار بضعفنا البشري في جميع مراحل حياتنا، فالإنسان بحاجة إلى أخيه الإنسان في نهاية المطاف.

back to top