لماذا تشهد أسواق الأسهم الكبرى ارتفاعات قياسية متزامنة؟

الصعود المتواصل يثير مخاوف بشأن مدى استدامة المكاسب وسط مخاطر متصاعدة

نشر في 27-02-2024
آخر تحديث 26-02-2024 | 18:47
بورصة نيويورك
بورصة نيويورك
جاءت مكاسب أسواق الأسهم العالمية، أخيرًا، بدعم من التفاؤل حيال تقنيات الذكاء الاصطناعي، وما قد تعنيه بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي، وتسببت شركة إنفيديا في موجة من التفاؤل بالأسواق العالمية، بعد نتائج الأعمال الفصلية التي جاءت أفضل كثيرًا من التوقعات، مع تقديرات الشركة باستمرار القفزة في الإيرادات.

تشهد أسواق الأسهم في الاقتصادات الكبرى ارتفاعات قياسية خلال الفترة الأخيرة، بدعم طفرة الذكاء الاصطناعي وآمال خفض معدلات الفائدة.

لكنّ الصعود القياسي المتواصل للأسهم العالمية أثار بعض المخاوف بشأن مدى استدامة هذه المكاسب، وسط مخاطر متصاعدة.

مكاسب قياسية متزامنة

وشهدت مؤشرات الأسهم الأوروبية إغلاقاً قياسياً بنهاية الأسبوع الماضي، لتتجاوز القمة السابقة المسجلة في يناير 2022.

وصعد مؤشر ستوكس 600 الأوروبي لمستوى قياسي بلغ 497.2 نقطة بنهاية جلسة الجمعة الماضية، مرتفعًا بنحو 4 بالمئة منذ بداية هذا العام.

وسجل مؤشر أسهم التكنولوجيا في «ستوكس 600» ارتفاعاً بنحو 12 بالمئة منذ بداية العام الحالي، ليرتفع لأعلى مستوى في 23 عامًا.

كما ارتفع مؤشرا داكس الألماني وكاك الفرنسي لمستويات تاريخية جديدة الأسبوع الماضي.

في اليابان، نجح مؤشر نيكي 225 في الإغلاق أعلى 39 ألف نقطة للمرة الأولى على الإطلاق، ليتجاوز قمته السابقة التي سجلها عام 1989.

وتزامن الصعود القياسي لمؤشرات الأسهم في أوروبا واليابان مع الارتفاع التاريخي لسوق الأسهم الأميركية.

وأغلق مؤشر إس آند بي 500 جلسة الجمعة الماضية عند مستوى قياسي بلغ 5088 نقطة، بعد أن كان قد تجاوز 5100 نقطة في وقت سابق من الجلسة للمرة الأولى في تاريخه.

كما صعد مؤشر داو جونز أعلى مستويات 39100 نقطة للمرة الأولى على الإطلاق، بينما انخفض «ناسداك» بشكل طفيف قرب مستوياته القياسية المسجلة عند 16 ألف نقطة.

وبشكل عام، ارتفع مؤشر إم إس سي إي للأسهم حول العالم لمستوى قياسي جديد الأسبوع الماضي.

الذكاء الاصطناعي يقود الصعود

وجاءت مكاسب أسواق الأسهم العالمية أخيرًا بدعم من التفاؤل حيال تقنيات الذكاء الاصطناعي، وما قد تعنيه بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي.

وتسببت شركة إنفيديا في موجة من التفاؤل بالأسواق العالمية، بعد نتائج الأعمال الفصلية التي جاءت أفضل كثيرًا من التوقعات، مع تقديرات الشركة باستمرار القفزة في الإيرادات.

وارتفعت إيرادات «إنفيديا» بنحو 265 بالمئة، لتسجل 22.1 مليار دولار في الربع الرابع من العام المالي الماضي، كما قفزت الأرباح 769 بالمئة.

ولم تكتف الشركة الأميركية بتجاوز أرباحها وإيراداتها لتوقعات المحللين، لكنّها توقعت تحقيق مبيعات بـ 24 مليار دولار في الربع الأول من العام المالي الحالي، متجاوزاً تقديرات المحللين البالغة 22.2 مليارا.

وصعد سهم «إنفيديا» بنحو 16 بالمئة في الجلسة التالية لإعلان نتائج الأعمال، لتضيف الشركة نحو 277 مليار دولار إلى قيمتها السوقية في يوم واحد، وهي أكبر قيمة مضافة لأي شركة على الإطلاق.

وواصل سهم شركة تصنيع الرقائق المستخدمة في الذكاء الاصطناعي صعوده في اليوم التالي، لتتجاوز القيمة السوقية لـ «إنفيديا» حاجز التريليوني دولار.

واعتبر المحلل في «ويدبوش سيكيوريتيز»، دان آيفز، أن نتائج أعمال «إنفيديا» كانت بمنزلة «أكبر لحظة بالنسبة لسوق الأسهم وقطاع التكنولوجيا منذ عدة سنوات»، مشيرًا إلى أنها قد تضيف المزيد من الوقود إلى فرضية السوق الصاعد.

وقال رئيس مجلس إدارة شركة جريت هيل كابيتال، توماس هايز، إن الذكاء الاصطناعي يدعم إمكانية تعزيز الإنتاجية والتي تسعى إليها الاقتصادات منذ عقدين من الزمن.

عوامل دعم إضافية

لم تقتصر العوامل الداعمة لصعود أسواق الأسهم على التفاؤل حيال الذكاء الاصطناعي، لكن موسم نتائج الأعمال الإيجابي وتوقعات مسار السياسة النقدية ساهما في مكاسب الأسواق.

في أوروبا، ساهم التفاؤل حيال قرب خفض معدلات الفائدة من جانب «المركزي الأوروبي» وسط تباطؤ التضخم في الارتفاع القياسي لأسواق الأسهم.

في حين شهد موسم نتائج الأعمال في أوروبا فشل أكبر عدد من الشركات في الوفاء بتوقعات المحللين منذ وباء «كورونا»، مع ضعف اقتصاد منطقة اليورو.

لكن بعض الشركات نجحت في تحقيق نتائج أعمال إيجابية، حيث صعد سهم شركة بي إي إس إي (BESI) الهولندية لتوريد معدات تصنيع الرقائق لأعلى مستوى في تاريخه، بعد أن كشفت الشركة عن تجاوز مستهدف الربع الرابع من العام الماضي بدعم الطلب على المنتجات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.

كما أعلن بنك ستاندرد تشارترد ارتفاع أرباحه بنسبة 18 بالمئة في العام الماضي، ليكشف عن برنامج لإعادة شراء الأسهم بقيمة مليار دولار.

وقال رئيس أبحاث الائتمان في «مورغان ستانلي، أندرو شيتس، إن سوق الأسهم في أوروبا لا يزال يتداول بخصم قياسي مقارنة بالسوق الأميركي، رغم الصعود إلى مستوى قياسي أخيرًا.

على جانب آخر، استفادت أسهم اليابان خلال السنوات الأخيرة من التفاؤل حيال تعافي الاقتصاد من أزمة ثبات الأسعار أو تراجعها.

وتدافع المستثمرون الأجانب لشراء الأسهم اليابانية خلال الفترة الأخيرة، بدعم ضعف الين، والإصلاحات الداعمة للحوكمة للشركات المحلية.

وذكر محلل الأسهم العالمية في «أبسولوت استراتيجي»، نيك نيلسون، أن مؤشر نيكي الياباني استغرق 34 عامًا للوصول إلى المستوى القياسي الحالي، بدعم تحسّن أرباح الشركات.

وشدد نيلسون على أن هناك اختلافا كبيرا عن المرة الأخيرة التي وصل فيها «نيكي» إلى قمة قياسية خلال فقاعة الثمانينيات من القرن الماضي، حيث كان تقييم الأسهم عام 1989 يعادل أربعة أمثال ما هو عليه الآن.

مخاوف ومخاطر محتملة

رغم حالة التفاؤل التي تسيطر على الأسواق في الوقت الحالي، فإن بعض المحللين أبدوا تخوّفهم بشأن مدى استدامة هذا الصعود.

يحذّر بعض المحللين من هيمنة عدد محدود من الأسهم على المكاسب في السوقين الأميركي والأوروبي، في إشارة إلى مشكلة التركز في الأسواق.

وفي الولايات المتحدة، شكلت أسهم «العظماء السبع» وهي أبل ومايكروسوفت وأمازون وألفابت وإنفيديا وتسلا وميتا، نحو ثلثي مكاسب وول ستريت في العام الماضي.

ويرى كبير استراتيجي الاستثمار في «أليانز» لإدارة الاستثمارات، تشارل ريبلي، أن السؤال الآن يتمثّل فيما إذا كان المستثمرون قد يشككون في هذا الزخم الحالي بأسواق الأسهم.

وأشار ريبلي إلى أن الارتفاعات المسجلة أخيرا كانت مدفوعة بشكل واضح بأسهم التكنولوجيا، مما يشكّل بعض المخاطر حيال اتجاه السوق في الفترة المقبلة.

كما أثار نائب رئيس قسم الاقتصاد في «كيبلر شيفرو»، فيليب فيريرا، التساؤلات حول المدة التي قد تستمر خلالها طفرة الذكاء الاصطناعي في دفع الأسواق إلى الارتفاع.

ولفت فيريرا إلى أن شركات الذكاء الاصطناعي قد يكون أمامها الكثير من التطور لتقطعه، لكن الأسهم تقترب من مستويات فنية مهمة قد تسفر عن عمليات جني أرباح.

في أوروبا، ساهمت 4 أسهم فحسب في 65 بالمئة من صعود «ستوكس 600» هذا العام، وهي أسهم شركة معدات صناعة الرقائق «إيه إس إم إل هولدنغ»، و»نوفو نورديسك» للأدوية، و»إس إيه بي» الألمانية للبرمجيات، و»إل في إم إتش» الفرنسية للسلع الفاخرة.

كما يحذّر بعض المحللين من ارتفاع تقييمات الأسهم بشكل سريع وحاد أخيرًا، مما يهدد الأسواق خلال الفترة المقبلة.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة أليانز لإدارة الثروات، التي تدير أصولاً بقيمة 1.85 تريليون دولار، أوليفر بات، إن الأمر يبدو خطيرًا من المستويات الحالية، مشيرًا إلى أن شركته تفضل الحذر بشأن بعض التقييمات في قطاع التكنولوجيا.

وكشف مسح صادر عن بنك أوف أميركا أن المستثمرين يضخون الأموال بوتيرة قياسية في صناديق أسواق المال، مع وصول أسواق الأسهم العالمية لمستويات غير مسبوقة.

على جانب آخر، يتمثل أحد المخاطر الإضافية أمام استمرار صعود أسواق الأسهم في إبداء صانعي السياسة رغبتهم في التأني قبل التحول إلى خفض معدلات الفائدة.

قال عضو مجلس محافظي «الاحتياطي الفدرالي»، كريستوفر والر، إنه لا عجلة لخفض معدلات الفائدة، كما حذّر رئيس «الفدرالي» في فيلادلفيا، باتريك هاركر، من التوقعات بقرب خفض تكاليف الاقتراض.

كان محضر الاجتماع الأخير لـ «الفدرالي الأميركي» قد أشار إلى قلق أعضاء لجنة السوق المفتوحة بشأن خفض معدلات الفائدة في وقت مبكر عن اللازم.

قلصت الأسواق توقعاتها لموعد أول خفض للفائدة الأميركية إلى شهر يونيو المقبل، لترجح التقديرات قيام «الفدرالي» بخفض الفائدة 3 مرات هذا العام، بعد أن كانت التوقعات تشير إلى 6 عمليات خفض.

كما أظهر محضر اجتماع «المركزي الأوروبي» الأخير أن مسؤولي البنك متمسكون بنهج الصبر فيما يتعلق بمسار السياسة النقدية.

في اليابان، ذكرت كبيرة مسؤولي الاستثمار في «مونيتا أديفيزوري»، أوفين ديفيت، أن الصعود الحاد لسوق لأسهم يبدو أنه يتحرّك بعيدًا عن أساسيات السوق.

وأشارت ديفيت إلى أن هناك بعض القلق بشأن سبب ارتفاع الأسهم في اليابان بهذه السرعة، في الوقت الذي لم تشهد الأساسيات المتعلقة بالتركيبة السكانية وتاريخ انكماش الأسعار أي تغيرات حقيقية.

الصعود الحاد للأسهم اليابانية جاء بالرغم من فقدان الاقتصاد للمرتبة الثالثة في قائمة أكبر اقتصادات العالم لمصلحة ألمانيا، بعد دخوله في ركود تقني عقب الانكماش لفصلين متتاليين.



back to top