توسك يواجه «الشعبوية» بـ «مكنسة حديدية» لاستعادة الديموقراطية في بولندا

المعارضة تتهمه بـ «زرع الانقسام» وبروكسل تستقبله بالأحضان وتنأى عن «المستنقع القانوني»

نشر في 19-02-2024
آخر تحديث 18-02-2024 | 20:04
امرأة تنظف الأرضية في مكتب رئيس وزراء بولندا
امرأة تنظف الأرضية في مكتب رئيس وزراء بولندا

أطلق رئيس وزراء بولندا، دونالد توسك، الذي فاز بالانتخابات في أكتوبر الماضي، معلنا نهاية ثماني سنوات من «الحكم الشعبوي» لحزب القانون والعدالة، حملة إصلاحات لاستعادة مؤسسات الدولة والديموقراطية في بلاده، وسط ترحيب من الاتحاد الأوروبي ومعارضة عنيفة من المعارضة، التي تتهمه بـ «زرع الانقسام» داخل البلد الذي يعاني أزمة سياسية واقتصادية، حسب تقرير «فايننشال تايمز».

وقام أنصار حزب «القانون والعدالة» المعارض في ديسمبر الماضي بمحاصرة مبنى التلفزيون الرسمي، (تي في بي انفو) في العاصمة وارسو، لكن توسك لم يتردد في وقف البث أسبوعا، ثم استئنافه بعد استبدال إدارة المحطة وتغيير مقدمي الأخبار، دون موافقة الهيئات التنظيمية لوسائل الإعلام في بولندا.

«المكنسة الحديدية»

وشكل توسك بعد الانتخابات ائتلافا حاكما سماه «المكنسة الحديدية»، مهمته إزاحة الموالين لـ «القانون والعدالة» من أجهزة الدولة «التي قادوها نحو ديموقراطية غير ليبرالية».

واعتبر رئيس مكتب صندوق مارشال الألماني للأبحاث بوارسو، ميشال بارانوفسكي، أن «توسك يبحر فعليا في مياه مجهولة»، ويواجه مقاومة شديدة لإصلاح القضاء، وهي خطوة يمكن أن تسمح بتدفق مليارات اليورو من أموال الاتحاد الأوروبي.

وأثارت أساليب توسك مخاوف في بعض الأوساط بشأن ما إذا كان ينبغي عليه خرق القانون من أجل إصلاحه، إذ أكد بارانوفسكي أن «عيب توسك أنه الأول الذي يحاول التنظيف دون كتيب للتخلص من السموم».

استقبال الأبطال

وحظي توسك باستقبال الأبطال لدى عودته إلى بروكسل، حيث كان رئيسا للمجلس الأوروبي بين عامي 2014 و2019، وحصل في ديسمبر الماضي على قسط أول من دعم الاتحاد الاوروبي بقيمة 5 مليارات يورو، والذي وصفه بأنه «هدية عيد الميلاد»، في حين أبلغته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن يطمئن «إلى أن المفوضية تقف إلى جانبك».

ويحتاج توسك إلى دعم دولي قوي لوضع مخطط للتعافي من الشعبوية، إذ قال رئيس البرلمان البولندي سيمون زيمون: «لقد أزلنا الشعبويين بعد ثماني سنوات في السلطة، ونحن نتقدم بخطوة أو خطوتين عن العملية في أجزاء أخرى من أوروبا، حيث تكسب الشعبوية بدلا من أن تخسر».

كما يحظى توسك بدعم المستثمرين، حيث أكد كبير الاقتصاديين في بنك سانتاندير بولسكا، بيوتر بيلسكي أن «انتخاب توسك كان إيجابيا على السوق. ويراهن عملاؤنا الأجانب على تحسن اقتصادي تدريجي بمجرد صرف جميع أموال الاتحاد الأوروبي».

قتال مع كاتشينسكي ودودا

وفي العام الماضي، أخبر كل من توسك وزعيم حزب القانون والعدالة، ياروسلاف كاتشينسكي، الناخبين أنهم يواجهون انتخابات حاسمة في بولندا، وإن كان ذلك لأسباب مختلفة جذريا. وفي حين حذر توسك (66 عاما) من أن حزب القانون والعدالة سيزيل الحقوق الفردية مثل الإجهاض، وسيدفع بولندا للخروج من الاتحاد الأوروبي، صور كاتشينسكي (74 عاما) توسك على أنه عميل أجنبي مستعد للتخلي عن السيادة الوطنية لبروكسل أو برلين أو حتى موسكو.

وبمجرد نشر نتائج استطلاعات الرأي في 15 أكتوبر الماضي، قال تاسك لمؤيديه: «إنها نهاية الأوقات الشريرة، إنها نهاية حكم حزب القانون والعدالة»، لكن انتصار توسك أطلق جولة جديدة من القتال بين الرجلين.

وفي الشهر الماضي، حث كاتشينسكي أنصاره على التفكير في «أساليب مختلفة» لمحاربة الحكومة، لكن توسك اعتبر أن «هذا تهديد متستر بالانقلاب ويظهر رجلا منفصلا بشكل متزايد عن الواقع، وذا ميول خطيرة». لكن العقبة الرئيسية أمام توسك ليست كاتشينسكي، بل التحالف الذي شكله الرئيس أندريه دودا والمحكمة الدستورية، وكلاهما يخدم الآن مصالح حزب القانون والعدالة. وقد أدى هذا إلى خلق وضع غير مسبوق، حيث يقوم الرئيس إما باستخدام حق النقض ضد التشريعات الجديدة أو إرسالها إلى المحكمة لمراجعتها، كما فعل مؤخرا مع ميزانية البلاد لعام 2024.

وقال وزير الخارجية السابق داريوس روساتي، الذي عمل أيضا مستشارا اقتصاديا لحزب توسك إن «دستور بولندا أضعف من أن يحمي الديموقراطية»، مضيفا أن الرئيس دودا و«القانون والعدالة» لا يستطيعان الآن الادعاء بأنهما أوصياء على دستور أساءا استخدامه خلال فترتين في المنصب.

من جهته، كشف وزير العدل آدم بودنار أن الحكومة تعكف على إعداد عدة مشاريع قوانين لإصلاح السلطة القضائية، مرجحا أن يتم اعتمادها في البرلمان، حيث يتمتع الائتلاف بالأغلبية، الأمر الذي سيجبر دودا بعد ذلك على تحمل «المسؤولية السياسية» إذا منعها.

وأضاف بودنار أنه في السيناريو الأسوأ، ستحتاج بعض الإصلاحات إلى الانتظار حتى العام المقبل، عندما يغادر دودا منصبه، في حين يأمل الائتلاف انتخاب أحد سياسييه رئيسا جديدا لبولندا.

ولكن في الوقت الحالي، تعيش بولندا أزمة مؤسسية، حيث تستطيع حكومة توسك أن تختار تجاهل أحكام المحكمة الدستورية التي تعتبرها غير مؤهلة، في حين يسعى «القانون والعدالة» المعارض إلى تقويض مصداقية الائتلاف من خلال اتهام توسك بانتهاك الدستور.

مستنقع قانوني

وحتى الآن، تجنبت بروكسل الخوض في المستنقع القانوني ببولندا، بما في ذلك النزاع حول كيفية تجاوز توسك هيئة تنظيم الإعلام التي أنشأها حزب القانون والعدالة لإعادة تشكيل هيئة الإذاعة العامة.

وبسؤاله عما إذا كانت بروكسل تمنح توسك شيكا على بياض للمضي قدما في إصلاحاته، قال بودنار إن «القضية لا تكمن في كيفية إصلاح توسك لوسائل الإعلام، بل في أن الاتحاد الأوروبي لم يفعل شيئا لحماية وسائل إعلامنا مدة ثماني سنوات، لا شيء على الإطلاق»، مشددة على أن مهمة الائتلاف الحاكم هي استعادة سيادة القانون وبناء بولندا جديدة.

back to top