توكاييف يستعمل ورقة الإصلاح لاسترجاع الاستقرار

نشر في 24-11-2022
آخر تحديث 23-11-2022 | 19:47
 إيست آسيا فوروم رداً على الاحتجاجات المعادية للحكومة في كازاخستان، في يناير 2022، دعا الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف إلى تطبيق إصلاحات قادرة على تغيير المشهد السياسي المحلي، فوقّع توكاييف على مرسوم مرتبط بالتعديلات الدستورية، في 17 سبتمبر، للحد من مدة الولاية الرئاسية وحصرها بسبع سنوات، ودعا إلى إجراء انتخابات مبكرة في 20 نوفمبر.

لكن من السذاجة أن نصدّق أن الرجل الذي أمضى معظم حياته المهنية وهو يعمل داخل أنظمة استبدادية سينجح في إصلاح النظام السياسي الكازاخستاني بطريقة جذرية، فتوكاييف رجل مثقف جداً، لكنه يمثّل النخبة الكازاخستانية التي تفضّل شخصية جديرة بالثقة ذات صلاحيات واسعة، وفي النهاية تبقى العلاقات بين العشائر ومظاهر الاحترام للسلطة راسخة في عمق هذا البلد الواقع في آسيا الوسطى. تثبت دعوة توكاييف إلى تطبيق الإصلاحات وإجراء انتخابات مبكرة أنه يحاول ترسيخ سلطته واسترجاع الاستقرار بعد الاحتجاجات الحاشدة ضد الحكومة في يناير، فقد أدت أعمال الشغب حينها إلى نشوء أعمق أزمة سياسية في البلد ونشر قوات منظمة معاهدة الأمن الجماعي.

تُوجّه الإصلاحات السياسية والاقتصادية المعلنة رسالة إيجابية للمستثمرين الأجانب، لكن لإصلاح صورة كازاخستان بالكامل وتحريك عجلة نموها الاقتصادي، يجب أن تطبّق أستانا سياسة خارجية متوازنة وتكثّف تعاونها الاقتصادي مع الشرق والغرب.

منذ بداية الحرب في أوكرانيا، حاولت روسيا أن تدفع كازاخستان إلى التعاون معها عسكرياً وتكنولوجياً، لكنها لم تحقق ما تريده، فلم يدعم الرئيس توكاييف الحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا، وأعلن في إحدى المقابلات مع قناة تلفزيونية روسية، في يونيو الماضي، أن كازاخستان لن تساعد روسيا للتحايل على العقوبات.



يبدو أن كازاخستان تتجه في المقابل إلى تكثيف تعاونها مع الولايات المتحدة والصين، إذ تُعتبر الولايات المتحدة من أهم المستثمرين في الاقتصاد الكازاخستاني، فقد بلغت قيمة استثماراتها المباشرة نحو 1.9 مليار دولار خلال الربع الأول من عام 2022، أي ما يساوي ضعف القيمة المسجّلة في الفترة نفسها من عام 2021 تقريباً.

تنشط الصين أيضاً في كازاخستان، وليست مصادفة أن تكون كازاخستان أول دولة يزورها الرئيس الصيني، شي جين بينغ، قبل حضوره قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند، علماً أنه لم يغادر الصين منذ أكثر من سنتين. أثبتت زيارة شي أن الصين تعطي أهمية كبرى لتقوية علاقاتها مع كازاخستان، فقد استثمرت الصين نحو 20 مليار دولار في الاقتصاد الكازاخستاني منذ عام 1991، مما يجعلها من أهم خمسة مستثمرين أجانب في البلد، وستكون الاستثمارات الصينية والأميركية ركيزة صلبة لأي نمو اقتصادي مرتقب.

يأمل الكازاخستانيون أن تستمر الإصلاحات بعد إعادة انتخاب توكاييف خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث يدرك الرئيس أن استرجاع الأمن الاقتصادي سيساعده في ترسيخ سلطته، واتّضح هذا المنطق حين تعهد توكاييف، في سبتمبر 2022، برفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 17% وزيادة معاشات التقاعد بنسبة 27%.

لكن لا يزال مسار تقدّم الإصلاحات غير كافٍ، لا سيما في مجال الانتخابات الرئاسية، إذ يفرض القانون الراهن على المرشّح للرئاسة أن يكون موظفاً حكومياً في آخر خمس سنوات وأن يقيم في كازاخستان طوال 15 سنة، فهذه المتطلبات تستبعد المرشحين المدنيين وقادة المعارضة الذين هربوا من كازاخستان.

أخيراً، تحتاج بيئة العمل المحلية إلى الإصلاح أيضاً، فبشكل عام، يعني الانخراط في قطاع الأعمال داخل كازاخستان التعامل مع شركات محلية تكون في معظمها على صلة بعائلات قادة البلد السابقين. لطالما كانت مظاهر الفساد المستفحل، واللامساواة الاجتماعية، وشبكة سماسرة السلطة المعقدة، عائقاً أمام تدفق الاستثمارات من الشركات الأجنبية إلى كازاخستان، يجب أن يعالج توكاييف هذه المسألة إذا كان جدّياً في مساعيه لإصلاح كازاخستان وتطويرها.

*ماريان سيليغا

back to top