بصمة المعلم!

نشر في 16-02-2024
آخر تحديث 15-02-2024 | 18:57
 د. محمد عبدالرحمن العقيل

إن فكرة تسجيل الحضور والانصراف أو التعرف على هوية الشخص عن طريق جهاز البصمة، تصلح أن تستخدم لجهات أمنية حساسة، أو لتسجيل حضور أعداد كبيرة يصعب على المسؤول إحصاؤهم، كعمّال المصانع أو المخازن العملاقة الذين تتشابه أعمالهم اليدوية، وأما تطبيقه بهذه الطريقة الجامدة على موظفي الحكومة، فيدلّ على ضعف أدوات التقييم، فنظام البصمة أثبت فشله على أرض الواقع، لأنه يزيد نسبة الحضور، والأزمات المرورية في الشوارع، ولا يزيد نسبة الإنتاج، وجودة العمل، فماذا نستفيد من حضور كل الموظفين في الوقت نفسه وبدون تنسيق، إذا لم يتم تطوير آلية العمل نفسها؟!

ألم نقلّص الوقت ونقسم الموظفين إلى مجموعات في فترة «كورونا»؟! وكان الإنتاج أفضل مما هو عليه الآن؟!

إن الخسارة المؤكدة في تطبيق نظام البصمة، هو إحباط همة الموظفين المجتهدين، فأغلب الموظفين المخلصين الذين أعرفهم شخصيا، قد استاؤوا من فرض نظام «البصمة» على الجميع، واعتبروه توبيخا جماعيا، وعدم ثقة بالجميع! مما أثّر في أدائهم الوظيفي.

لابد أن نعلم أن أغلب المؤسسات تعتمد في تطورها على هذه الفئة، التي تتنافس وتجتهد في العمل من أجل أن تنال شيئا من تقدير الإدارة، أو مساحة من الحرية، فلا بد أن نستثمرها، وألا نحوّل بيئة العمل المرنة إلى نظام روتيني خانق، من أجل التضييق على الموظف الفاشل! فالموظف الفاشل- يا سادة يا كرام- سيبقى فاشلا وإن وضعت له ألف بصمة! لأن البصمة أداة لإثبات الحضور لا لإحياء الضمير!

قد يكون هذا النظام منطقياً عندما نضعه للمساجين، فالمراد من السجن هو العقاب وحبس حرية المسجون والتأكد من عدم هروبه من المبنى، فكيف يليق بنا بعد كل هذا التطور التكنولوجي وسهولة التواصل، أن نربط الإنتاج بمدى تقيّد الموظف بجهاز البصمة! ثم نعطيه أعمالاً ممتازة لمجرد حضوره الشكلي!

أعزائي القرّاء، هل تعلمون أنه تم إلغاء بصمة الحضور والانصراف في هيئة تنمية المجتمع في دبي وجهات حكومية أخرى، منذ 2016، بعدما لوحظ تدني مستوى الخدمات، فقد كان الموظفون في السابق ينسّقون المهام فيما بينهم بما يرضي الجميع، ولا يخل في سير العمل، «والنفس طيبة».

إن فرض نظام البصمة في المدارس، سيزيد أعباء المعلمين، فالتعليم من الوظائف الشاقة والطاردة، التي يكثر فيها الالتزام بمواعيد الحصص والاختبارات، وإن تفعيل نظام البصمة سيقلل من صلاحية الإدارات المدرسية في تسيير العمل المرن، فالمدير الناجح يعلم كيف يُقسّم الأعمال، من الصباح الباكر إلى آخر اليوم «بالعدل لا بالتساوي»، ويعرف كيف يتواصل مع المعلمين، ويراعي ظروفهم، فهو إنسان مسؤول يشعر ويقيّم ويقدّر، وليس «جهازا أحمق»!

في الختام، أخشى من حدوث أزمة حقيقية وتسرب وظيفي في التربية.

back to top