المبارك: الشاذلي يشرّح الأدب ويخترق بمشرطه تفاصيل التاريخ

في أمسية ثقافية لنادي «بيجونڤيليا الأدبي للقراءة» في مركز الشيخ جابر

نشر في 14-02-2024
آخر تحديث 13-02-2024 | 18:58

في رحاب الخيال والواقع والأدب والتاريخ، أقام نادي «بيجونڤيليا الأدبي للقراءة»، في قاعة الدائرة المستديرة بمركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، أمسية ثقافية للدكتور أسامة الشاذلي، لمناقشة روايته «أوراق شمعون المصري»، وأدارت الحوار الشيخة أفراح المبارك، وحضر الأمسية سفير مصر لدى الكويت السفير أسامة شلتوت، وجمع من الأدباء والمثقفين والشخصيات.

في البداية، قالت الشيخة أفراح: «يقول الكاتب والأديب اللبناني مارون عبود إن المفكرين الحقيقيين قليلون في هذا الورى، والمشككين الحقيقيين أقل منهم، أما المطمئنون إلى كل شيء فملء الأرض، وأفتك أوبئة الإنسانية ذلك الاطمئنان الداخلي... مرض الدهماء الذين يعومون في زبد أنفسهم، ولا يغوصون في لجتها، تلهيهم ثرثرة الساقية عن صمت النهر الهادئ، حيث الحيتان الضخمة التي تبتلع حوت يونان».

الرواية التاريخية أصبح لها جمهور كبير في الفترة الأخيرة والكثير من القراء يهتمون بها

ثم عرفت بالضيف لتقول: «ضيفنا الليلة هو الدكتور أسامة الشاذلي الروائي، أحد رواد تخصص جراحات القدم والكاحل في مصر والوطن العربي، وأستاذ زائر بجامعة برشلونة. صدرت له ثلاث روايات هي: أوراق شمعون المصري، التي اشترت حقوقها مجموعة MBC، ليتم تحويلها إلى مسلسل تاريخي، ورواية عهد دميانة، التي اشترتها الشركة المتحدة للإنتاج الإعلامي ليتم تحويلها إلى مسلسل درامي، والأخيرة رواية رحلة يأجوج ومأجوج».

وتابعت: «الدكتور أسامة يشرّح الأدب، يجبّر النصوص، ويخترق بمشرطه تفاصيل التاريخ، يصحح تشوهات الحكاية، ويعزف بأوتار نسيجه من رومانسية فارهة وعمق شهي»، ووجهت كلمتها للحضور، قائلة: «أمسيتنا الليلة عن ملحمته المدهشة: أوراق شمعون المصري، وباسمي وباسم نادي بيجونڤيليا الأدبي للقراءة، أرحب بك ونقول بالعامية حياك الله في بلدك الثاني الكويت».

سبع سنوات

من جانبه، رحب د. الشاذلي بالحضور وقال: «أولا أنا سعيد جدا، وسعادتي لا توصف بوجودي في بلدي الثاني الكويت، وسعيد لأنني لأول مرة أزور الكويت، وأن تكون زيارتي من خلال هذا المركز الثقافي والحضاري، مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، وسعيد جدا بهذه الدعوة الكريمة من الشيخة أفراح الصباح، من خلال نادي بيجونڤيليا الأدبي للقراءة، لمناقشة الرواية».

وأوضح أن رواية «أوراق شمعون المصري» استغرقت في الكتابة سبع سنوات، لافتا إلى أنه بدأ نشرها من خلال حلقات مسلسلة في وسائل التواصل الاجتماعي، وكان يصدر حلقة كل أسبوعين، وبدأ في أول حلقة للكتابة في يناير 2014، واستمر هذا الأمر حتى نشر كتابه الأول والثاني كما هو مبين في الرواية، فهي عبارة عن أربعة كتب مجتمعة، ومن ثم توقف عن نشرها في وسائل التواصل الاجتماعي، وتفرغ لكتابتها، لأن بعض الأصدقاء من الكتاب نصحوه بعدم إتاحتها بهذه الصورة حتى لا تتعرض للقرصنة.

إن لم يكن الكاتب أميناً بما يكفي في بعض الأحيان فقد ترد معلومات مغلوطة بأعماله

وبين أن شخصية الرواية هي «شخصية متخيلة، وليست حقيقية ابتدعتها لكي أسطر تاريخ هذه الحقبة بكل ما فيها، ولكي أضع على لسانها آرائي وأفكاري، والبحث عما وراء الرواية ليس فقط مرتبطا بالفترة التي تمت فيها الكتابة، ولكن اهتمامي عموما بتاريخ اليهود يعود لسنوات طويلة جدا، وخصوصا فكرة مقاربة هذا التاريخ المقدس أو التاريخ النصي بالتاريخ المكتوب، لأن الكثير يعرف أن ما نقرأه في الكتب المقدسة ليس كله يوجد عليه إثبات إيكولوجي، أو إثبات حفري، فكانت هذه الفكرة، وهي فكرة المقاربة بين النص المقدس والنص التاريخي، والتي كانت تشغلني دائماً»، لافتا إلى أن هناك الكثير من الكتّاب الكبار تصدوا لهذا الموضوع.

الربيع العربي

وذكر د. الشاذلي: «ثم بدأت في الكتابة في أعقاب فترة الربيع العربي، لأنني رأيت في هذه الفترة تغيرات كبيرة جدا تحدث في المجتمع، ومنها تغيرات تشمل حجب أنظمة، وبناء أنظمة جديدة، حالة من التيه والانفلات المجتمعي على كل الصعد، وكانت فكرة التيه مرعبة»، مضيفا أن ثيمة التيه جاءت متوافقة مع شغفه بقراءة المقارنة بين التاريخ والنصوص المقدسة، ليخرج هذه الرواية التي تحمل في فكرتها فكرة التيه، كفكرة أساسية، ثم تحمل في طياتها أيضا أبحاثا وجهدا بحثيا بعضه خاص به، والبعض الآخر خاص بآخرين في المقاربة بين النص المقدس والنص التاريخي.

ثرية بالأسئلة

وجاءت الأمسية ثرية بالأسئلة الحوارية الدقيقة والعميقة التي طرحتها الشيخة أفراح الصباح، والتي شدت انتباه الحضور على مدى ساعتين تقريبا ليندمجوا في أجواء الحوار، ومن مقتطفات الأسئلة والحوار، قالت الشيخة أفراح في حديثها عن الرواية: «لمن لم يقرأ رواية أوراق شمعون المصري هي إجابات لأسئلة كثيرة».

وأشارت إلى أنه كانت لديها تساؤلات عن اليهود خلال الأربعين عاما من التيه، ما هو نتاجهم؟ كيف كانت يومياتهم أو كيف كانوا يعيشون؟ وغيرها الكثير من الأسئلة، مبينة أن هذه الرواية جاءت في 625 صفحة.

العمود الفقري

ووجهت الشيخة أفراح كلامها إلى د. الشاذلي، قائلة: «أعتقد أن العمل الأدبي يجب أن يصاغ عن طريقة رواية، وخصوصا التاريخي، مثل رواية أوراق شمعون المصري الذي فسر تاريخ الخروج، والنتاج اليهودي خلال أربعين سنة»، ثم طرحت عليه مجموعة من الأسئلة، منها هل تعتقد أن هذه الفكرة دائماً مجدية؟ ليجيب د. الشاذلي: «الرواية حاليا مصدر هام جداً للثقافة لقطاع كبير من الناس، وربما لم يصل فن من فنون الأدب إلى هذه المكانة كما وصلت الرواية في وقتنا الحالي، وأغلب القراء الذين نراهم من الشباب أو غيرهم يقرأون الرواية، وأصبحت الروايات مصدرا للثقافة لهؤلاء الشباب، ومصدرا لمعلومة أحيانا، وهذا خطير في بعض الأحيان، خصوصا إن لم يكن الكاتب أمينا بما يكفي، فقد تأتي معلومات مغلوطة، فالرواية وسيلة مغرية جداً للقراءة، وبالتالي الكثير يستسهل قراءة الرواية ويستصعب قراءة الكتب».

د. الشاذلي: بدأت الكتابة في أعقاب فترة الربيع العربي لأنني رأيت فيها تغيرات كبيرة

وأضاف د. الشاذلي: «أنا دائما لا أحب التصنيفات، ولكن الرواية التي تحمل الصبغة التاريخية هي واحدة من فنون الرواية، وأعتقد أنها صعبة إلى حد ما، خصوصا إذا كان الكاتب يريد أن يمسك الخيال، فهو العمود الفقري لأي رواية، لأن الرواية في المقام الأول هي فن متخيل، فن قائم على الخيال، ولكن هذا الفن حينما يتناول حقبة تاريخية فهناك أكثر من مدرسة»، مؤكدا أن الرواية التاريخية أصبح لها جمهور كبير في الفترة الأخيرة، والكثير من القراء يهتمون بها.

نبذة عن الرواية

وأعطى د. الشاذلي نبذة عن الرواية، قائلا: «الرواية تتحدث عن فترة التيه، أو خروج بني إسرائيل كحدث تاريخي، ولكن من خلاله تقدم بعض الأفكار الفلسفية، والأفكار التي تسقط على الواقع، ومن قرأها سيجد أنها مرتبطة بواقعنا الحالي، وبعض الأفكار المتداولة فيما يتعلق بالأرض المقدسة، وتعريف الأرض المقدسة، وأحقية الوعد الإبراهيمي، والكثير من القضايا الشائكة التي نعيشها الآن».

واستدرك: «الفكرة تدور حول شاب اسمه شمعون، ولد لأب عبراني، وأم مصرية، والأم كانت سببا في أن ينعت هذا الولد طوال الرواية باسم شمعون المصري، ولم يكن هذا الاسم بالنسبة له شيئا مدعاة للفخر، وتوضح نظرة الآخر لمن يختلف عنه، فظل الاسم ملاصقا له طوال الوقت، ولكن سنجد مع تطور الأحداث، وخروج هذا الولد مع قوم موسى وعبورهم البحر، والتيه الذي عانوه في سيناء، كيف أن شمعون المصري، وهذا المخزون استقاه من أمه، كان سببا في أن يتغير هذا الولد، وتصبح له مساحة من تقبل الآخر، وفهمه، والتفكر الدائم، والنقد وعدم التوقف عند الدين الذي به إكراه».

وتابع: «بدأ هذا الشاب، بعد صدور الحكم بالتيه، التجول منفردا، وبدأ رحلة خاصة به، حتى قابل قبيلة من بني إسماعيل، وعاش معهم، فوجد الشيخ عابر الذي أخذ بيده من فكرة التيه إلى فكرة اليقين، وغير له أفكارا كثيرة جدا، كانت مختزنة في عقله».

المحفز

ثم سألته الشيخة أفراح: «ما المحفز لكتابة هذه الرواية؟» ليجيب بأنه يعتقد أن الكتابات التي كتبها حتى بصورة مكثفة كانت في فترة الربيع العربي، وهي فترة كانت صادمة، ومغيرة لكثير من الأفكار، مبينا أن المفكرين دائما تبقى الأحداث المتلاحقة والسريعة وغير المتوقعة النتائج مثيرة للتفكير، وتجعلهم في حالة من القلق، لافتا إلى أن فكرة التيه هي المحفز الأساسي لكتابة رواية أوراق شمعون المصري.

وردا على سؤالها: «هل قمت بزيارة الأماكن التي ذكرتها في الرواية؟»، قال: «نعم، وكذلك في عهد رواية عهد دميانة عندما بدأت في كتابتها، فأنا أحب معايشة المكان، وأحب أن أزور المكان لكي أتخيل، وأغلب الأماكن التي دارت فيها الرحلة، سواء في سيناء الأماكن المعروفة أو في الأردن، ومنها جبل نيبو».

السفير المصري: الثقافة عابرة للحدود

قال السفير المصري أسامة شلتوت: «سعيد بوجودي لمناقشة إحدى الروايات الهامة»، مبينا أن الرواية فيها بناء درامي، ووصفها بأنها رواية شيقة.

وأضاف شلتوت أن هذه الأمسية تتواكب مع افتتاح مهرجان القرين الثقافي في دورته الـ29، لافتا إلى أنه ستتم إقامة أسبوع ثقافي مصري بالاتفاق مع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وأكد أن الثقافة عابرة الحدود، وتبدأ من الهوية الوطنية وتعبر إلى العالمية.

الشيخة أفراح: رواية «أوراق شمعون المصري» أجابت عن كثير من الأسئلة

على هامش الأمسية، قالت الشيخة أفراح: «رواية أوراق شمعون المصري هي رواية ملحمية رائعة، وهي في طبعتها الثلاثين الآن، أثرت الجميع، واستفاد منها الكثير، وأجابت عن الكثير من الأسئلة، ونحن في هذا الصدد نسعد كثيرا بمشاركة الأحباء من جميع الدول العربية في هذه الملتقيات الثقافية، والآن نحن في فبراير، شهر الاحتفالات، نسعد باستضافة جميع زوارنا وأشقائنا العرب».

وحول كون الكويت عاصمة للثقافة للعام المقبل، والتطلعات بهذا الشأن، خصوصا في ظل الاهتمام بالثقافة، ذكرت: «نعم، تطلعاتنا كثيرة، المشاركة بين الأشقاء العرب، وأيضا الندوات الثقافية، والتعرف على الآخر، وقبول الآخر بجميع تناقضاته واختلافه، وهذه الملتقيات الثقافية فرصة ذهبية للتعرف على الكتّاب والمثقفين، وهدم الفجوة بين الكتاب القدامى، والمثقفين القدامى والكتاب الجدد حتى يتم الالتقاء بين الطرفين، وحتى يتم إضفاء نوع من المواطنة بين هؤلاء الأطراف».

وأشارت إلى أن «التغريبة التي حدثت في الأوساط الأدبية بين المثقف والمتلقي، هذه الهوة نريد أن نردمها، ونريد أن نبي هذا الجسر الذي يفضي إلى نقطة التقاء جميلة ودافئة بين هؤلاء الأطراف، ونتطلع فيها إلى أبعد مدى من استضافة الجمهور، ونريد أن نستضيف مثقفين من المغرب العربي، وهذه الثقافة لا تقف عند هذا الحد، بل نريد أن نستضيف الكثير من الكتاب الغربيين، واليابانيين، ومن جميع دول العالم، وهذا فعلا شيء جميل، يضيف للكويت وشعبها من الناحية الثقافية».

وعن الهدف الرئيسي لنادي بيجونڤيليا الأدبي للقراءة، أضافت: «النادي تأسس منذ ثماني سنوات، وما زال يلتقي كل شهر لمناقشة كتاب، والنادي أثرانا بالكتّاب الذين تمت استضافتهم من الكويت ومصر، ويضيف إلى مخزوننا الثقافي الكثير من الأفكار، حيث إن هذه الأفكار تتبلور إلى ارتقاء في الذائقة، والارتقاء بالإنسانية، فمن يقرأ وتتضح عنده الرؤية، ويتسع عنده الوعي يرتقي بذائقته التي بالتالي ترتقي بإنسانيته، فالإنسانية الآن نحن أحوج إليها».

وفي الختام، قالت الشيخة أفراح: «أشكر مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي على إقامة هذه الأمسية الجميلة والفعاليات التي يهتم بها». الجدير بالذكر أن النادي يتكون من العضوات فتوح الدلالي، منى الفرج، سهيلة الفرج، هيفاء الصقر، رنا الحمد، خيرية حسين.

back to top