مذكرات «مدرس وافد» (2-4)

نشر في 14-02-2024
آخر تحديث 13-02-2024 | 18:13
 خليل علي حيدر

ينقل «المدرس الوافد»، كما يصف أستاذ اللغة الفرنسية اللبناني- السوري في مدارس الكويت نفسه، «ندرة الكلاس» في کتابه المنشور في الكويت عام 2018، ينقل حواراً محرجاً ببعض المقاييس دار بينه وبين أحد المسؤولين في وزارة التربية آنذاك، «د.يعقوب الشراح»، في لقاء مفتوح مع الأساتذة الجدد، غير أن الأستاذ «الكلاس» وجد جواب د.الشراح طبيعياً!

يقول «ندرة»: «دخل القاعة السيد الوكيل المساعد وكان وقتها الدكتور يعقوب الشراح، كلمنا عن طبيعة المجتمع الكويتي وكيفية التعامل مع الطلاب، وعن العادات والتقاليد والتدريس وإلى ما هنالك من إرشادات إدارية وتربوية، وفي نهاية المحاضرة فتح باب الأسئلة، فسأله أحد المدرسين الجدد:

- إن رواتب المدرسين في دولة الكويت ضعيفة إذا ما قورنت بباقي دول الخليج، ونريد تحسين الرواتب؟

- نحن نفهم نفسية كل واحد منكم، ونحن نعرف لماذا تأتون إلى هنا، فالهدف الأول لكم هو المادة وتجميع الفلوس، ولكن ما في مانع من دراسة الرواتب وزيادتها إن تطلب الأمر».

ويعلق الأستاذ «ندرة» قائلاً: «كان جواب الوكيل المساعد لوزارة التربية جواباً مقنعاً وصائباً وصريحاً وفي محله، فهو تكلم مباشرة بالحقيقة بدون أن يلف ويدور، لا بل ظهر واضحاً بأنه يعرف الهدف من مجيء المدرس الوافد الى الكويت، لحد أنه أدهشني من حديثه، فهذه هي الحقيقة». (مذكرات مدرس وافد، ص31).

يتناول الأستاذ ظروف السكن المشترك مع زميل له ومقاييس اختيار المدرس الشريك بالسكن فيقول:

«رأيت مدرسا وسيما أبيض اللون أشقر الشعر جميل الشكل، يدل من ملامحه على أنه سيكون حسن المعاملة وطيب الأخلاق والمعشر اسمه ع. ق. ق. هذا كان حكمي عليه بالمظهر والشكل من بعيد، وبمعيشتي معهم وكنا بالشقة أربعة مدرسين، اتضح أنه أصعب شخص بالمجموعة، سيئ الطباع والممارسة والمعيشة شرس وعنيد وعصبي، حتى أنه لم يتقبلني للسكن بينهم، بل كان يتكلم عني باللؤم وعدم الرضا، بينما البقية من المدرسين كانوا طيبي المعشر وحسني المعاملة، فخاب ظني به وأيقنت أن الإنسان ليس بالمظهر والشكل، بل بالمعاملة».

وخاب ظنه في اختياره الثاني كذلك فيقول: «اتضح بأنه كثير الحركة وغير متزن ويتكلم بدون أي حسبان لكلامه، وعصبي وكثير الانفعال، فالمعيشة معه صعبة جداً. مما اضطررت بعد أربعة أشهر من السكن معه، أن أترك السكن والاستقلال بشقة بنفسي، رغم تحملي مبلغ إيجار الشقة الجديدة بمفردي». (ص34).

واتصلت به في السنة الأولى طالبة تريد تعلم اللغة الفرنسية وذلك في الشهر الأول من مجيئه للكويت، وقالت الفتاة إنها موظفة في وزارة التربية في إدارة التخطيط، وذلك عندما كانت الوزارة في منطقة المرقاب في بناية مؤجرة، لم يكن الأستاذ «ندرة» يعلم شيئاً عن الدروس الخصوصية «كمصدر ثان للدخل لكثير من المدرسين»، كما يقول: «كانت تسكن في منطقة شرق قرب قصر دسمان، وكان لقاؤنا بأن أذهب أولاً لعند الأبراج وهي تأتي لهناك لتأخذني إلى البيت، وفعلاً ذهبت الى الأبراج وانتظرت قليلا الى الساعة الرابعة بعد الظهر حيث موعدنا، وفعلا أتت بالموعد المحدد وهي تقود سيارتها الأميركية، نظرت إليها فرأيت فتاة شقراء جميلة جدا، وقالت لي:

-أنت مدرس الفرنسي؟



- نعم. أجبتها.

- تفضل واطلع معي. قالت.

وفعلاً اقتربت من السيارة وفتحت الباب وصعدت وركبت في المقعد الأمامي بجانبها، وتم كل ذلك على ما يرام، ووصلنا الى بيتها، وهو عبارة عن دور من فيلا وراء قصر دسمان، في البداية قالت لي:

- كم تريد على التدريس كأجر؟

- لا شيء. أجبتها.

لم يكن يخطر ببالي أن التدريس هو عمل مأجور هنا وهو دخل إضافي لكافة المدرسين».

ويكمل الأستاذ «ندرة» الحديث عن هذه التجربة في التدريس: «كانت سنة ممتعة وجميلة، كنت عندما أحضر أجد جميع أنواع الضيافات من عصير وفواكه، وعندما قاربت السنة الدراسية على الانتهاء، وطالما لم أطلب أو أحدد أي شيء أو مبلغ لأتعابي، أتت لتعطيني نتيجة أتعابي وتدريسي لها علاقة مفاتيح من ذهب وبنطلون من جينز وقميص، فتقبلت ذلك بكل سرور، وفرحت لهذه الهدية، ولكن علمت بعد ذلك بأن جميع زملائي المدرسين يعطون ساعات خصوصية بأجر باللغة الفرنسية، وهي مكسب ومصدر رزق ثان بالنسبة لهم، أما أنا لكوني جديداً في المهنة فاكتفيت بالهدية فقط». (ص36).

في نهاية السنة الأولى من التدريس، بعد توفيره بعض المال من رواتبه الشهرية، قرر الأستاذ «ندرة» زيارة سورية براً بسيارته عن طريق العراق والأردن، وكانت سيارته «داتسون»، يابانية يقول: «كنت قد اشتريتها مستعملة من حراج السيارات بمنطقة «الرقعي» بشهر فبراير عام 1982، وكنت فرحاً جداً بأنه صار عندي سيارة».

لم يكن الحصول على تأشيرة المرور بالعراق سهلا، إذ كانت سورية حليفة إیران في حربها ضد العراق، ويقول إن الموظف في السفارة العراقية بضاحية «الشعب» صرخ بوجهي «ما في تأشيرة مرور»! ولكن «ندرة» حصل على التأشيرة في النهاية، «كوني أحمل الجنسية اللبنانية»، وسافر إلى العراق، حيث توقف ببغداد، ثم اتجه إلى «الرمادي» حيث اعتقل بالطريق من قوى الأمن وأخذوا منه كل أمواله السورية والكويتية وتم سجنه «بغرفة صغيرة بالكاد تسعهم»، وبعد التضييق والتحقيق نقلوه إلى غرفة ثانية ليقول له المسؤول: «هذه جميع أماناتك واذهب واركب السيارة وسافر، على شرط أن تخرج من العراق بنفس هذا اليوم، وهكذا انتهى التحقيق». ربما كان للتخويف فحسب!

وهكذا ركب الأستاذ «ندرة» سيارتة باتجاه الحدود الأردنية، تتبعه مسافة من الطريق سيارة للاستخبارات العراقية، قبل أن يصل إلى الحدود الأردنية قبل المغرب.



back to top