2024 اختبار صعب للديموقراطية مع توجه نصف سكان الأرض لصناديق الاقتراع

نشر في 13-02-2024
آخر تحديث 12-02-2024 | 19:43
موظفان حكوميان بين صناديق الاقتراع في إندونيسيا التي تستعد للانتخابات غداً (أ ف ب)
موظفان حكوميان بين صناديق الاقتراع في إندونيسيا التي تستعد للانتخابات غداً (أ ف ب)

يعيش نحو 4 مليارات نسمة، أي نصف سكان الأرض، في أماكن تجري فيها انتخابات هذا العام، في استحقاقات ستحدد من سيحكم أكثر من 70 دولة، وهم يمثلون معاً أحد أكبر الاختبارات للديموقراطية في التاريخ، حسب ما أشار تقرير نشرته مجلة الإيكونوميست أمس الأول.

وسيطرت على مدى أكثر من عقد من الزمان مخاوف من تضرر الديموقراطية كمثال سياسي مع تخلي الحكومات عن القيم الليبرالية وانتشار الاستبداد. وبحلول الغد، عندما تذهب إندونيسيا الى الاقتراع سيكون 770 مليون نسمة من عدة بلدان قد اقترعوا أو منعوا من الاقتراع، أي ما يقرب من 18.5% من إجمالي المعنيين بالانتخابات لهذا العام إلى صناديق الاقتراع، ما سيتيح إجراء قراءة أولية حول كيفية سير الديموقراطية في الاختبار الكبير لعام 2024.

التكنولوجيا سيف ذو حدين

وقد ساهمت الثورة التكنولوجية في تحديث الديموقراطية، حيث باتت مقاطع الفيديو القصيرة والرسائل الجماعية عمود الحملات السياسية في مختلف أنحاء العالم، كما أصبح الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك «التزييف العميق»، مرئياً في كل مكان ولكنه ليس حاسماً حتى الآن.

وتلعب منصات «تيك توك» و»فيسبوك» و»يوتيوب» و»واتساب» دورا كبيرا في الحملات الانتخابية. على سبيل المثال، أعاد أبرز المرشحين في إندونيسيا وزير الدفاع برابوو سوبيانتو، الذي تلاحقه تهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، تأهيل صورته ببث مقاطع فيديو «لطيفة» وهو يرقص مع والده، تمت مشاهدتها أكثر من 20 مليون مرة.

وأمام صعوبة التأكد من صحة المعلومات على هذه المنصات، هناك خطر أن تخدم الرجال الأقوياء والمستبدين، من خلال السماح لهم بالتواصل دون تدقيق، فضلا عن امتلاكهم الموارد اللازمة للتلاعب بهذه المنصات باستخدام جيوش من الوكلاء والروبوتات لنشر معلومات مزيفة.

حكم الرجل القوي

وقامت تسع دول حتى الآن بإجراء انتخابات، أظهرت في معظمها تراجعا للديموقراطية، فقد اندلعت الفوضى في باكستان بعد الإعلان عن النتائج مثلا، فضلا عن تدخلات مثيرة للقلق أو حتى تعليق بعض الانتخابات. ولا يزال من السابق لأوانه القول إن المنتصر الحقيقي في انتخابات 2024 هو حكم الرجل القوي، فالبلدان التي يبلغ عدد سكانها 3.6 مليارات نسمة لم تصوّت بعد.

ومن المقرر أن يشهد شهر مارس المقبل انتخابات رئاسية في روسيا، سيفوز بها حتما فلاديمير بوتين، ثم انتخابات في الهند خلال شهر ابريل، والبرلمان الأوروبي في يونيو، وغيرها.

وفي خضم الصعوبات التي تعيشها الديموقراطية، فإن الانتخابات الأميركية المقررة في نوفمبر تشكل أهمية أكبر من أي وقت مضى، في ظل ترجيحات أن نشهد عاما جديدا من التراجع الديموقراطي تتجه فيه كل الأنظار نحو المنافسة المحتملة بين دونالد ترامب وجو بايدن.

وتنقسم الانتخابات حتى الآن إلى 3 فئات: حرة ونزيهة، فاشلة، وغير محددة. في الفئة الأولى، شهد التصويت في تايوان في يناير الماضي فوز ويليام لاي تشينغ تي، من الحزب التقدمي الديموقراطي. وأعلن لاي في اجتماع أن «تايوان تخبر العالم أجمع أنه بين الديموقراطية والاستبداد، نختار الوقوف إلى جانب الديموقراطية».

كما تعتبر الانتخابات في فنلندا نزيهة، حيث صدرت النتائج أمس الأول، مؤكدة فوز الليبرالي المؤيد لحلف شمال الأطلسي، ألكسندر ستوب بالسباق الرئاسي.

وفي الفئة الثانية التي تشمل الانتخابات الفاشلة، تأتي باكستان على رأس القائمة، إذا لطالما شهدت الانتخابات فيها تدخلا من القوات المسلحة. وتعد الانتخابات الأخيرة الأقل نظافة، حيث صدرت 3 أحكام بالسجن بعد توجيه تهم ملفقة ضد السياسي الأكثر شعبية، عمران خان، وشابت الانتخابات أعمال عنف.

وفي بنغلادش، أفرزت انتخابات أجريت في 7 يناير وقاطعتها المعارضة فوز شيخة حسينة واجد، التي ظلت في السلطة لمدة 15 عاما متواصلة، في حين قضى العديد من المعارضين يوم الانتخابات في السجن. وفاز حزبها بـ222 مقعدًا من أصل 299 تم التنافس عليها، لتتحول البلاد في الواقع إلى دولة الحزب الواحد.

وتتآكل الديموقراطية أيضا في العديد من البلدان الأصغر حجماً، ففي الخامس من فبراير، علقت السنغال انتخاباتها، مع انزلاق رئيسها ماكي سال، الذي كان يُنظر إليه ذات يوم باعتباره مدافعاً عن القيم الليبرالية، نحو الدكتاتورية. وفي نفس منطقة الساحل، علقت مالي أيضا انتخابات كانت مقررة في الرابع من فبراير، بينما شهدت بوركينا فاسو وتشاد والنيجر انقلابات في الآونة الأخيرة.

على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، فاز «أروع دكتاتور في العالم»، نجيب بكيلة، في الرابع من فبراير بولاية ثانية في السلفادور، حيث أصبح يحظى بشعبية كبيرة بعد حملته على عنف العصابات، لكنه تهرب من الضوابط الدستورية لترشحه.

أما الانتخابات في أذربيجان فقد شهدت فوز إلهام علييف، الذي حكم البلاد لفترة طويلة، بأكثر من 90% من الأصوات، وتلقى التهاني من كل من بوتين، والزعيم الصيني شي جين بينغ.

أما الفئة الثالثة التي تشمل انتخابات غير محددة، فتضم إندونيسيا في ظل توقعات بأن يكون التصويت نظيفًا، لكن الظروف المحيطة بالانتخابات تشير إلى أن الطابع الديموقراطي للبلاد متوتر، حيث خرق الرئيس المنتهية ولايته، جوكو ويدودو، الدستور لجعل ابنه نائبًا للمنتصر المحتمل، وزير الدفاع برابوو سوبيانتو. وتخاطر إندونيسيا بسبب تواتر الشكاوى حول التدخل في الانتخابات بالتراجع خطوة إلى الوراء عن روح الإصلاح التي سيطرت عليها بعد انتهاء حكم سوهارتو.

7 انتخابات

وتشهد دول بنما والسلفادور وبيرو والمكسيك وأورغواي وفنزويلا والدومينيكان انتخابات رئاسية في 2024 في ظل تحديات وتحولات ديموقراطية هائلة، خاصة مع ارتفاع وتيرة وحدة الاستقطاب بين أحزاب اليمين واليسار وزيادة التبعية إلى الولايات المتحدة.

وتوقع أستاذ العلوم السياسية ورئيس معهد (كيلتيفا) رودا ريتشي أن تكون انتخابات أميركا اللاتينية في 2024 مميزة، فالمكسيك مثلاً تشهد لأول مرة في تاريخها تنافس امرأتين على منصب الرئاسة، في إشارة إلى كلاوديا شينباوم ممثلة حزب اليسار الحاكم «مورينا»، واليمينية سوتشيل جالفيس التي جرى ترشيحها كممثلة لأحزاب المعارضة.

مؤشر ديموقراطي سلبي

إن فكرة تعرض الديموقراطية لضغوط في مختلف أنحاء العالم ليست جديدة، فقد أصدرت منظمة (اي آي يو) مؤشراً سنوياً مفصلاً أظهر تراجعا ديموقراطيا خلال العقد الماضي، مع انخفاض البلدان التي كان يُنظر إليها على أنها ديموقراطيات انتخابية في التسعينيات، إلى حوالي 50%، بالإضافة إلى ارتفاع عدد الذين يشككون في الديموقراطية على مستوى العالم، خصوصا بين الشباب.

back to top