لماذا تجد واشنطن صعوبة في «تخويف» إيران؟

أميركا ممزقة بين مغادرة الشرق الأوسط أو البقاء ولا تعرف ماذا تفعل بقواتها

نشر في 08-02-2024
آخر تحديث 07-02-2024 | 19:47
مجسمات صواريخ إيرانية بمعرض «الدفاع المقدس» في طهران (أ ف ب)
مجسمات صواريخ إيرانية بمعرض «الدفاع المقدس» في طهران (أ ف ب)
تواجه الولايات المتحدة معضلة في التعامل مع إيران، حيث فشلت جميع المحاولات الأميركية في ردع الميليشيات التابعة لطهران عن مهاجمتها، وسط إصرار أميركي على عدم التصادم المباشر مع إيران، وهو الأمر الذي يطرح تحذيرات كبيرة على واشنطن.

طرحت صحيفة «الإيكونوميست» البريطانية تساؤلاً يشغل الكثيرين في الولايات المتحدة وكذلك أصدقاء واشنطن الإقليميين في الشرق الأوسط، هو: «لماذا يصعب تخويف إيران؟»، والمقصود لماذا فشلت واشنطن في ردع إيران، وإيقاف الهجمات التي يشنها حلفاؤها ووكلاؤها في المنطقة ضد القوات الاميركية، والتي أدت الشهر الماضي الى مقتل جنود أميركيين في الأردن.

وتجادل «الإيكونوميست» بأن هذا الفشل الأميركي ينبع من تناقضات أعمق في السياسة الاميركية في الشرق الأوسط، وتحديداً من رغبة واشنطن في الابتعاد عن المنطقة مع الاحتفاظ بقوات فيها في الوقت نفسه، مما يترك وجودا عسكرياً كبيراً بما يكفي لتقديم قائمة من الأهداف لكنه صغير جدًا في الواقع لتقييد إيران.

ويلفت مقال الصحيفة البريطانية أن الوسيلة الوحيدة ربما لثني إيران عن استخدام وكلائها، إذا اعتقدت أن أميركا مستعدة للإطاحة بنظام الجمهورية الإسلامية، وتضيف لكن بعد عقدين من المغامرات الأميركية الفاشلة في الشرق الأوسط، لا الأميركيون ولا الإيرانيون يصدقون ذلك، مشيرة إلى أنه حتى الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي جسد «نظرية الرجل المجنون» في السياسة الخارجية الخاصة بريتشارد نيكسون، لم يهاجم إيران بشكل مباشر.

ويشير المقال إلى أن حلفاء أميركا في المنطقة أيضاً لا يصدقون ذلك بعد أن أحجمت واشنطن عن التدخل ضد وكلاء إيران في سورية واليمن في فترة ما يسمى الربيع العربي.

وتختم «الإيكونوميست» بالقول، إن أميركا في الشرق الأوسط ممزقة بين المغادرة والبقاء، ولا تستطيع أن تقرر ماذا تفعل مع القوات التي لا تزال موجودة في المنطقة، وتضيف أن «الوضع الراهن لا ينجح ـ ومن عجيب المفارقات أن إيران هي التي تردع أميركا عن تغيير هذا الوضع».

في الإطار نفسه، قالت «ذا ناشيونال أنترست» في مقال تحت عنوان «لماذا لن تتراجع إيران أمام جو بايدن؟»، إن ايران تمارس شكلاً من أشكال الردع عن طريق الإنكار، والذي تعرّفه دراسة أجرتها مؤسسة راند بأنه «ردع أي إجراء من خلال جعله غير ممكن أو من غير المرجح أن ينجح، وبالتالي حرمان المعتدي المحتمل من الثقة في تحقيق أهدافه».

وأشارت إلى أن فكرة أن دولة ضعيفة نسبياً مثل إيران يمكنها ردع الولايات المتحدة هي فكرة يصعب حتى على منتقدي واشنطن التفكير فيها، ومن ثم، فهم يستخدمون مصطلح «الردع الذاتي» بدلاً مما يمكن تسميته بشكل أكثر دقة «الردع الإيراني»، ومع ذلك، فإن واقع الأزمة الحالية في الشرق الأوسط هو أن الميليشيات المدعومة من إيران ترفض الانصياع لإرادة واشنطن على الرغم من الهجمات ضدها، وفي الوقت نفسه، تتصرف إيران نفسها وكأنها ملاذ آمن لأنها نجحت حتى الآن في ردع أي هجوم أميركي على أراضيها.

إيران لن تستسلم

في سياق متصل، نشرت وكالة بلومبرغ للأنباء تحليلاً للباحث الزميل الكبير في معهد أميركان إنتربرايز الأميركي للأبحاث هال براندز، يرد فيه على سؤال تقول «بلومبرغ» إنه مطروح بقوة على دوائر صناعة القرار في واشنطن، الا وهو: «هل سترد إيران بقوة أم تستسلم إذا وجهت إليها أميركا ضربة عسكرية مباشرة؟».

ويرى براندز، مؤلف كتاب «منطقة خطرة: الصراع القادم مع الصين» وعضو مجلس سياسة الشؤون الخارجية في وزارة الخارجية الأميركية، أنه يمكن الإجابة عن السؤال بالعودة إلى ما حدث خلال السنوات الأربع الماضية عندما صعدت واشنطن المواجهة مع طهران باغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني، عقب موجة هجمات مدعومة من إيران ضد مصالح أميركية، والتي جعلت الكثير من من الصقور في واشنطن يقولون إن طهران لا تريد تصعيد المواجهة مع واشنطن، وبالتالي فإن تكثيف الهجمات الأميركية على المصالح الإيرانية هو أفضل طريق لكبح جماحها. لكن براندز يقول إن الدرس الحقيقي أكثر تعقيداً وهو أن واشنطن تستطيع بالتأكيد توجيه ضربة قوية لإيران، لكن إذا كانت مستعدة لمواجهة الضربة المضادة من طهران. ويرى براندز أن تكتيك ترامب في اغتيال سليماني نجح في استعادة الردع الاميركي حيث اكتفت طهران برد محدود عل الاغتيال، ويضيف أن مثل هذه التكتيك يمكن أن يساعد في إدارة الأزمة الحالية حيث تحاول الولايات المتحدة كبح جماح إيران والجماعات المسلحة الموالية لها في مواجهة أخرى من خلال تذكير المسؤولين في طهران، كما فعل بايدن منذ أربع سنوات، بمدى الخطر الوجودي الذي تواجه بلادهم إذا ما دخلت صراعاً مفتوحاً مع قوة عظمى. لكنه يحذر من أنه لا يجب الافتراض أن مثل هذه الهجمات ستمنع إيران من السعي للثأر أو ستحقق فترة هدوء مؤقتة للولايات المتحدة.

ويختم أنه كما كان الحال في عملية قتل سليماني، فالأزمة الحالية مجرد حلقة واحدة من مسلسل التنافس الاستراتيجي المستمر بين واشنطن وطهران، وإذا كانت الولايات المتحدة تعتزم توجيه ضربة أقوى لطهران، عليها الاستعداد لهجوم لإيراني مضاد. وقال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أمس في كلمة ألقاها امام السفراء المعتمدين في طهران إن «لا مبرر» لبقاء القوات الأميركية في الشرق الأوسط حيث يمثل وجودها «تهديدا للأمن».

في المقابل، تتناول وكالة «فرانس برس» في تقرير، ما اعتبرته إخفاق التدخل العسكري الأميركي حتى الآن في وقف الهجمات التي تشنها مجموعات مسلّحة مدعومة من إيران على القوات الأميركية في الشرق الأوسط وسفن الشحن في البحر الأحمر، رغم استمرار التهديدات رغم الضربات الجوية المكثفة الأخيرة. ونقلت عن مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية جون ألترمان قوله «أعتقد أننا سنشهد استمرار مستوى معين من العنف لبعض الوقت. إيران والمجموعات التي تدعمها لا تريدان إعلان الاستسلام». وأضاف «في الوقت نفسه، أعتقد أن عدد الهجمات وحجمها سيتضاءلان، ويعود ذلك إلى سببين الأول هو أن الضربات الأميركية تقلل من قدرا.تهما، والثاني هو أنهما تريدان تقليل الخسائر». وقالت ميشيل غرايز وهي باحثة في مجال السياسات في مؤسسة «راند» غير الربحية إن «هناك سيناريو تستمر فيه الهجمات حتى بعد انتهاء الحرب في غزة»، لكنها أشارت إلى أنها تتوقع «أن تؤدي هدنة ممدّدة إلى وقف الهجمات الحالية، على الأقل في المدى القريب».

وعن عدم استهداف واشنطن لطهران رغم اتهامها بالمسؤولية عن تسليح وتمويل المجموعات التي تنفّذ الهجمات، يقول ألترمان إن «مواجهة مباشرة كبرى تهدد بالتسبب في اندلاع حرب إقليمية مفتوحة بدون نهاية أو أهداف واضحة». ويضيف: «لا أعتقد أن الشعب الاميركي يريد حرباً مفتوحة في الشرق الأوسط وهذا ينطبق على أصدقاء أميركا وحلفائها في المنطقة».


سفير إيران لدى الأمم المتحدة سعيد إيرواني سفير إيران لدى الأمم المتحدة سعيد إيرواني

«ناتو» إيراني

شبه سفير إيران لدى الأمم المتحدة، سعيد إيرواني، في مقابلة مع شبكة «إن بي سي نيوز» العلاقة بين إيران والميليشيات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط «بالعلاقة بين أطراف معاهدة حلف شمال الاطلسي «الناتو».

وقال إيرواني عن علاقة إيران بالوكلاء: «لدينا تنسيق وتعاون وتشاور وربما تمويل». وأضاف: «لكن لديهم خياراتهم الخاصة»، عندما يتعلق الأمر بالأنشطة العسكرية.

وفي حين لم يكن من الواضح على الفور ما يعنيه إيرواني بالمقارنة مع الناتو، فإن اقتراحه بأن المجموعات الوكيلة تعمل بشكل مستقل يتناقض مع ممارسة الناتو للتعاون الصريح في الاستراتيجية العسكرية. وتتضمن بنود معاهدة الناتو التزاماً بين الأعضاء بدعم قدرة بعضهم البعض على مقاومة الهجوم المسلح، والتشاور بشأن المسائل العسكرية، واعتبار الهجوم على أحد الأعضاء بمثابة هجوم على الجميع.

back to top