تحذير دستوري من خطورة إفشاء الأسرار المصرفية

الفيلي: لا يحق للجان التحقيق البرلمانية الاطلاع على الذمة المالية للأفراد
• العبدالله: الاطلاع على خصوصية الأفراد للمحاكم وجهات التحقيق القضائية فقط
• قانون «المركزي» يمنع موظفيه من إفشاء الأسرار ومن يخالف ذلك يتعرض للحبس والعزل
• الفهد: عمل لجان التحقيق حق مكفول بالدستور ولا يجوز مصادرته

نشر في 04-02-2024
آخر تحديث 03-02-2024 | 20:27
بنك الكويت المركزي
بنك الكويت المركزي

حذر خبراء دستوريون وقانونيون من تبعات الموافقة على اقتراح نيابي بتكليف لجنة حماية الأموال العامة البرلمانية التحقيق في قضية الصندوق الماليزي، مؤكدين أن ذلك يصطدم بقانون النقد وبنك الكويت المركزي وتنظيم المهنة المصرفية، وسيؤدي إلى هز ثقة الناس بالجهاز المصرفي خصوصاً والدولة عموماً.

ورأى الخبراء، في تصريحات متفرقة لـ «الجريدة»، أن الاقتراح يبدو في عنوانه عادياً بنصه على تكليف اللجنة التحقيق في قضية الصندوق الماليزي، لكنه كارثي في تفاصيله، بما تضمنه من «ندب رئيس اللجنة وأعضائها للانتقال الميداني والاطلاع على ما يلزم من مستندات وحركة الحسابات المصرفية لدى البنك المركزي»، مؤكدين أن ذلك يعرض الحسابات البنكية للأشخاص، المحمية بموجب القانون والدستور، لرفع السرية عنها.

وذكروا أن الآثار المترتبة على إفشاء البيانات المصرفية كارثية، ومنها «هز الثقة بالقطاع المصرفي، والتأخر في مؤشرات الحوكمة، وهز ثقة المؤسسات الدولية بالبنك المركزي ودوره في حركة الأموال، وعزوف الاستثمار الأجنبي المباشر، فضلاً عن تأثر أسواق المال نتيجة تخوف المستثمرين من إفشاء الأسرار المالية الخاصة بهم».

ويمنع قانون «المركزي» إفشاء أسرار الحسابات المصرفية إلا بحكم قضائي باتّ، وما ينطبق عليه ينطبق بالتبعية على البنوك، الواجب عليها الالتزام بالمحافظة على سرية ما لديها من معلومات وبيانات خاصة بكل عميل من عملائها، لتحقيق المصلحة العامة، المتمثلة في توفير الثقة بالجهاز المصرفي للدولة، واطمئنان الناس إلى أن معاملاتهم مع البنوك لن تكون عرضة للذيوع والكشف عن محتوياتها إلّا في الأحوال التي تصرّح فيها القوانين بذلك، كما يمنع القانون موظفيه من إفشاء تلك الأسرار، ومعاقبة من يخالف ذلك بالحبس والعزل.

وفي السياق، قال الخبير الدستوري د. محمد الفيلي إن المحكمة الدستورية سبق أن بينت إبان «أزمة سوق المناخ» أن مجلس الأمة يحق له تشكيل لجان تحقيق للاطلاع على حسن سير الإجراءات الرقابية الحكومية، ومنع وقوع جرائم غسل الأموال، وليس له الحق في الاطلاع على الذمة المالية للأفراد، أو إجراء أي محاكمة، لأن ذلك من حقوق السلطة القضائية.

من جهته، أكد المحامي د. حسين العبدالله عدم جواز اطلاع الجهات الرسمية أو البرلمانية على الحسابات المصرفية الخاصة للأشخاص، مبيناً أن ذلك مقصور على الجهات القضائية عند مباشرتها التحقيق في إحدى القضايا المعروضة أمامها.

ولفت العبدالله إلى أن الدستور أكد حق الخصوصية والأسرار المتصلة به، ومنها سر الذمة المالية التي لا يجوز الاطلاع عليها أو الكشف عنها أو السماح بتداولها، وعليه فإنه لا يجوز للجان الرسمية أو البرلمانية الاطلاع على حسابات الأفراد حتى إن كانت محلاً للتحقيق الجنائي أمام القضاء، موضحاً أن المحكمة الدستورية سبق أن أكدت في العديد من قرارات التفسير التي أصدرتها على كفالة حق الخصوصية والأسرار الشخصية التي كفلها الدستور.

في المقابل، رأى الخبير الدستوري د. محمد الفهد أن من حق المجلس الاطلاع على السر المصرفي كجزء من عمل لجان التحقيق، وهو حق مكفول بالدستور بشكل واضح وصريح لا يجوز مصادرته أو الانتقاص منه تحت ذريعة حماية خصوصية الأفراد وتدعيم الائتمان في الدولة، مؤكداً أن المصلحة العامة تسمو على الخاصة، وحماية الأموال العامة واجبة على كل مواطن، ويجب تذليل كل الصعاب للوصول إلى من يحاول المساس بهذه الأموال.

وفي تفاصيل الخبر:

قال الخبير الدستوري، د. محمد الفيلي: سبق للمحكمة الدستورية أن بينت إبان أزمة سوق المناخ أنه يحق لمجلس الأمة أن يشكل لجان تحقيق للاطلاع على حسن سير الإجراءات الرقابية الحكومية، وليس لها الاطلاع على الذمة المالية للأفراد.

وبيّن الفيلي لـ «الجريدة»، أن للجان التحقيق البرلمانية حق الاطلاع على حسن أعمال الأجهزة الرقابية للسلطة التنفيذية، ولكن ليس للمجلس أن يجري أي محاكمة، لأنّ المحاكمة من حق السلطة القضائية، إنما للمجلس الحق في متابعة سير الأجهزة الرقابية ومنع وقوع جرائم غسل الأموال.

الفيلي: ليس للجان التحقيق البرلمانية حق الاطلاع على الذمة المالية للأفراد

وبينما قال الفيلي: «اليوم العالم يسير في تقليص من ذمة الأفراد لمكافحة الجريمة المنظمة»، أكد أن ضوابط التحقيق البرلماني يجب أن تكون واضحة ومحددة وليس للجنة التحقيق التدخل في عمل السلطة التنفذية إنما لها أن تطلع على الإجراءات الحكومية وتقدم استنتاجاتها حيال سير تلك الإجراءات.

الأسرار الشخصية

من جهته، أكد المحامي د. حسين العبدالله عدم جواز اطلاع الجهات الرسمية أو البرلمانية على الحسابات المصرفية الخاصة للأشخاص، وأن ذلك الأمر مقصور للجهات القضائية، وذلك على أثر مباشرتها التحقيق في إحدى القضايا المعروضة أمامها.

ولفت العبدالله إلى أن الدستور أكد على حق الخصوصية والأسرار المتصلة به، ومنها سر الذمة المالية التي لا يجوز الاطلاع عليها أو الكشف عنها أو السماح بتداولها، ولذلك فلا يجوز للجان الرسمية أو البرلمانية الاطلاع على الحسابات الخاصة للأفراد حتى وإن كانت محلا للتحقيق الجنائي أمام الجهات القضائية، وقد سبق للمحكمة الدستورية أن أكدت في العديد من قرارات التفسير التي أصدرتها على كفالة حق الخصوصية والأسرار الشخصية التي كفلها الدستور.

العبدالله: أمر الاطلاع على خصوصية الأفراد للمحاكم وجهات التحقيق القضائية فقط

وأوضح أن الدستور كفل للنواب حق توجيه الأسئلة البرلمانية والاستجواب وطلب تشكيل اللجان إلا أن ذلك مرتبط أيضا بعدم المساس بحقوق وحريات الآخرين، والتي لا يجوز الاطلاع عليها إلا في أضيق الأحوال، وذلك عبر أجهزة التحقيق القضائية والمحاكم وبمناسبة دعوى قضائية.

إشكالية دستورية

في المقابل، ذكر الخبير الدستوري د. محمد الفهد: «أثير أخيراً موضوع مدى دستورية الطلب الموقع من مجموعة من النواب بتكليف لجنة حماية الأموال العامة التحقيق في قضية الصندوق السيادي الماليزي، والموافقة على ندب رئيس وأعضاء اللجنة للانتقال الميداني، والاطلاع على حركة الحسابات المصرفية الخاصة بهذا الملف لدى البنك المركزي، بحكم أن هذه المعلومات تعتبر من الأسرار المصرفية».

وأضاف الفهد: «دائما ما تثور إشكالية قانونية ودستورية تتعلق بمدى دستورية قيام مجلس الأمة بتشكيل لجان تحقيق وفقا للمادة 114 من الدستور، وبالأخص مدى امكانية هذه اللجان في الاطلاع على الأسرار المصرفية للأفراد، بحكم أنها من الحقوق الخاصة التي لا يجوز الكشف عن أسرارها».

الفهد: الاطلاع حق مكفول بالدستور بشكل واضح وصريح ولا يجوز مصادرته

وأكد أنه يجب التفريق بين حالتين في هذا الصدد، الاولى: أن تكون النصوص الخاصة بالحفاظ على السر المصرفي منصوصا عليها في التشريعات القانونية المتفرقة وليس في الدستور، كما في نص المادة 28 من القانون رقم 32/1968 بشأن النقد وبنك الكويت المركزي وتنظيم المهنة المصرفية وتعديلاته الذي نص على: «على أي عضو من أعضاء مجلس إدارة البنك المركزي أو أي مدير أو موظف أو مستخدم به ألا يفشي أية معلومات تتعلق بشؤون البنك أو عملائه»، وأيضاً المادة رقم 12 البند 5 من قانون حق الاطلاع على المعلومات رقم 12/2020 بخصوص المعلومات التي لا يجوز الاطلاع عليها (إذا كانت المعلومة تتضمن سرا تجاريا، وكان من شأن نشرها اضعاف مصلحة تجارية ومالية لذوي الشأن).

وتابع: «في هذه الحالة لا تثور لدينا مشكلة، إذ إن تدرج القواعد القانونية يحتم تقديم ما ورد في الدستور بالمادة 114، والذي سمح لمجلس الأمة بتشكيل لجان تحقيق دون قيد أو شرط إلا أن يكون الموضوع داخلاً في اختصاص المجلس على ما ورد في القوانين، وهذا ما أكدته المحكمة الدستورية في قرارها التفسيري رقم 1/1986 (أن الأمر لا يجوز أن يؤخذ على إطلاقه إزاء الحق الدستوري المقرر لمجلس الأمة في المادة 114 من الدستور)، ذلك أن المادة 28 من قانون البنك المركزي وإن كانت تحظر على أي من موظفي البنك المركزي أن يفشي أية معلومات تتعلق بشؤون البنك أو عملائه أو شؤون البنوك الأخرى الخاضعة لرقابته، حماية للأسرار البنكية، إلا أن هذه الحماية ـ وهي مفروضة بنص قانوني ـ لا يمكن التحدي بها في هذا الخصوص، إذ إنه إعمالا لمبدأ تدرج القواعد القانونية فإنه ينبغي عدم الاحتجاج بقاعدة قانونية أدنى في مواجهة قاعدة أعلى مقررة بنص الدستور، وهو أسمى وأقوى من النص القانوني العادي، وايضاً المصلحة العامة أولى بالرعاية من المصلحة الخاصة لصاحب السر وهو ما أكده أيضا الحكم المذكور آنفا».

الحق في الخصوصية

وأضاف الفهد: «أما الحالة الثانية فهي إذا ما تم ربط إفشاء السر المصرفي بأنه إخلال بالمادة 30 من الدستور، والتي تتحدث عن احترام الحق في الخصوصية، باعتبار أن إفشاء السر المصرفي يعتبر اعتداء على الحق في الخصوصية، هنا تصبح المسألة أكثر تعقيدا وصعوبة، حيث إنه في هذه الحالة سنكون أمام نصين دستوريين متعارضين في الهدف والمضمون، فيكون السؤال هنا: أي الحقين أولى بالحماية؟ هل هو الحق في حماية السر المصرفي باعتباره نوعا من أنواع الخصوصية التي يتمتع بها الإنسان والمكفولة بالمادة 30 من الدستور أم قيام النائب باستخدام حقوقه بالرقابة البرلمانية ومنها التحقيق والمنصوص عليها في المادة 114 من الدستور؟».

وشدد على أنه «من غير المقبول التمسك بالسر المصرفي لمنع مجلس الأمة من قيامه بدوره الرقابي المقرر والمنصوص عليه بصورة واضحة في الدستور، ومؤدى ذلك أن تفعيل دور الأدوات الرقابية البرلمانية والتي تحقق المصلحة العامة أولى من حماية حق مخصوص بعدد معين من الأفراد والمتعلق بالأسرار المصرفية، وكما هو معلوم فإنه في حالة تعارض المصلحة العامة مع المصلحة الخاصة، فإن المصلحة العامة أولى بالحماية وأجدى بالرعاية. (انظر د. تركي المطيري الرقابة البرلمانية على السر المصرفي في ميزان الدستورية)».

وأضاف: «وعليه وبناء على ما سبق نرى أن حق مجلس الأمة في الاطلاع على السر المصرفي كجزء من عمل لجان التحقيق هو حق مكفول بالدستور بشكل واضح وصريح لا يجوز مصادرته أو الانتقاص منه تحت ذريعة حماية خصوصية الأفراد وتدعيم الائتمان في الدولة، فالمصلحة العامة تسمو على المصلحة الخاصة، وحماية الأموال العامة واجبة على كل مواطن ويجب تذليل كل الصعاب للوصول إلى من يحاول المساس بهذه الأموال».


محمد الفيلي محمد الفيلي

الفيلي: لا يجوز للمجلس التدخل في صلاحيات الحكومة

ذكر د. الفيلي أنه إبان أزمة سوق المناخ، تقدمت الحكومة بطلب تفسير الطلب النيابي في التحقيق بأعمال القرض من البنك الصناعي ودور البنك المركزي، وأكدت المحكمة الدستورية، آنذاك، أن من حق مجلس الأمة أن يجري التحقيق للتأكد من متابعة حسن سير الإجراءات، ولكن ليس عليه أن يتدخل في اختصاصات السلطة التنفيذية، وهو الأمر الذي جاء على ذكره في الدستور واللائحة الداخلية للمجلس، مستدركا بالقول: إن المحكمة الدستورية وضعت ملاحظة أعمال لجنة التحقيق البرلمانية لا تنصرف للاطلاع على الذمة المالية للأشخاص.


حسين العبدالله حسين العبدالله

العبدالله: ليس من حق المجلس التحقيق بملفات منظورة أمام القضاء

شدد د. حسين العبدالله على أن التحقيق البرلماني لا يمنع ممارسة التقصي عن أوجه الخلل الحكومي في الرقابة والإبلاغ عن الجرائم، إلا أنه لا يمكن أن يكون محلا للتحقيق الجنائي الذي تمارسه المحاكم وأجهزة التحقيق الجنائي، كما لا يمكن أن تمارس أجهزة التحقيق البرلمانية أي ملفات فنية وقانونية متصلة بإجراءات محاكمة تجرى أمام القضاء، وحتى لا يكون مثل هذا التحقيق من شأنه، ولو على نحو غير مباشر، التأثير على إجراءات التحقيق والمحاكمة على موضوع القضية المعروضة أمام القضاء.


محمد الفهد محمد الفهد

الفهد: حماية الأسرار المصرفية لم تعد من الحتميات الاقتصادية

أكد د. محمد الفهد أن حماية السر المصرفي لم تعد من الحتميات الاقتصادية، وأن الكثير من الدول المتقدمة، ومنها سويسرا، أصبحت تقدم المصلحة العامة وحماية الأموال العامة على خصوصية السر المصرفي، حيث إنه تم اكتشاف الكثير من جرائم الاعتداء على الأموال العامة من خلال الكشف عن الأسرار المصرفية، بل إن المشرع الكويتي سار في نفس النهج في القانون رقم 15 لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسل الأموال، الذي أوجب في المادة الثالثة منه على البنوك وشركات الاستثمار وغيرها من المؤسسات المالية الالتزام بالإبلاغ عن أي معاملة مالية مشبوهة.

back to top