يكبر المعلم ولا يكبر طلابه

نشر في 02-02-2024
آخر تحديث 01-02-2024 | 18:46
 د. محمد عبدالرحمن العقيل

يقول أحد المعلمين: بدأت التدريس وأنا في سن الخامسة والعشرين، وأنا الآن على مشارف الخمسين، ولا أزال في مكاني، أكرر تدريس المرحلة الثانوية كل سنة، ولا شيء يتغير سوى الوجوه والأسماء، صحيح أن خبرتي تزداد ومعرفتي تزداد، لكن نشاطي يفتر شيئا فشيئا، يكبر عقلي وتتوسع مداركي، وأكبر في السن، ولا يكبر طلابي.

قد يكون هذا وصفا واقعيا لحال بعض المعلمين، ولكن هناك مقولة أخرى عجيبة في وصف المعلم، لــ«Thomas Carruthers» أحد المنظرين التربويين في أوائل القرن العشرين، يقول فيها: «المعلم هو الذي يجعل نفسه غير ضروري تدريجياً»، بمعنى أن المعلم الحقيقي هو من يغرس الثقة في طلابه ليواصلوا التعلم بأنفسهم.

كنا في الماضي نُجل المعلم أيّما إجلال، فقد كان نبراسا للعلم، وأحد أهم مصادر المعرفة، عندما كنا نقرأ الكتب في المكتبات، ونستعيرها وندفع تأمينا عليها، وأما الآن وبعد التوسع في تكنولوجيا التعليم وتنوع مصادر المعلومات، أصبح التساؤل المطروح دائما: هل سيلغي الانفجار المعرفي والذكاء الاصطناعي دور المعلم؟

في الواقع، هناك نوعان من المعلمين: نوع يعد نفسه ناقلا للمعلومة، وهذا هو أكثر المعلمين إحباطا وتعاسة من غيره، لأنه يجد نفسه في مأزق، لإثبات وجوده في هذا العصر المزدحم بالوسائل التعليمية الميسّرة والمبهرة والمثيرة للانتباه، التي خطفت الأضواء من هؤلاء المعلمين العاديين، الذين يرتكزون على الحفظ والتلقين لا التعليم بمفهومه الواسع!

وأما النوع الثاني فهم القدوات، الذين يفقهون مفهوم التعليم، ويتمسكون بقواعده، ولا يضعون أنفسهم نِداً للتطور التكنولوجي والمعرفي، بل يسخّرونه لخدمة الطلبة، ويجعلونه أداة لهم لتسهيل الشرح وتنويع مصادر التلقي، فهم الذين يُعلّمون من القلب لا من الكتاب، ويركزون على طرائق التفكير واكتشاف الذات والمواهب، ويتفاعلون مع الطالب كإنسان، له روح وكيان ورغبات وشخصية، فالمعلم الحقيقي قريب من طلابه، يتحدث أمامهم، ويشعر بهم، ويصبر على شقاوتهم، ويجبر خواطرهم، وليس شخصا خلف الشاشات، يخاطب المتابعين بلهجة واحدة.

وأما «أشباه المعلمين» فهم النوع الثالث، الذين لم يأخذوا من المعلم سوى اسمه، يقول الكاتب «Richard Henry Dana»: «من يجرؤ على التدريس يجب ألا يتوقف أبداً عن التّعلم».

back to top