علاقات مشوهة

نشر في 02-02-2024
آخر تحديث 01-02-2024 | 18:40
 د. فيصل ملفي المطيري

لم يعد في الحياة مساحة، ولا في طول البال مسافة، للاهتمام المفرط في توطيد العلاقات الاجتماعية طبقاً للمقاييس الأصيلة والمواصفات الجليلة التي تُجمّل أخلاقنا، حيث ضاقت الصدور الرحبة على صبرها، وتشوهت النفوس الطيبة مع تشوه طبيعة الناس من حولها، وقست القلوب اللينة من قسوة تجاربها السابقة التي انتهت معظمها بانهيار ذكرياتها وتحولها إلى أكوام من الحسرة وخرائب من الألم أحيطت بسياج شائك كتب عليه «ابتعد أمامك أطلال الإحباط وخيبة الأمل»، ومن يومها أصبحنا نقاوم فطرتنا الاجتماعية ونصارع الخير الكامن في إنسانيتا خوفاً وتحسباً، كما قال الشاعر الراحل سعد بن جدلان:

ودنا بالطيب بس الدهر جحّاد طيب

كل ما تُخلص مع الناس كنك تغشها

كل ما شبيت نار المحبة مع حبيب

قام يسحل في مشاهيبها ويرشها

يدك لا مدت وفاء لا تحرّى وش تجيب

كان جتك سالمة.. حب يدك وخشّها

أما راديكالية الشاعر صفي الدين الحلي التي شككت تماماً في وجودية الوفاء في العلاقات، جعلت من الخل الوفيّ أسطورة من نسج الخيال حينما نظم هذه الأبيات:

لما رأيت بني الزمان وما بهم

خل وفيّ للشدائد أصطفي

أيقنت أن المستحيل ثلاثة

الغول والعنقاء والخل الوفيّ

وفي اقتباس آخر مجهول القلم، لكنه شديد الأثر، يذكرنا بأن الخسارة التي نكسب فيها راحتنا ليست خسارة، حيث يقول: «إن نهاية الشيء أفضل من استمراره بشكل باهت، هذا يعني أنك لا بد أن تهجر تلك العلاقات التي ترهق روحك فوق ما هي مرهقة، وتسرق البهجة من أعماقك بدلا من أن تهديك إياها، وتضاعف لك أحزانك في وقت أنت تحتاج فيه من يهونها عليك». وهذا يدعونا إلى أن نختم هذه المقالة بنظرية التبادل الاجتماعي التي تقوم على فكرة أن السلوك الاجتماعي هو نتيجة لعملية التبادل، ووفقاً لهذه النظرية، يزن الناس الفوائد والمخاطر المحتملة لعلاقاتهم الاجتماعية، فعندما تفوق المخاطر المكافآت، فسينهون العلاقة أو يتخلون عنها، وذلك باعتبار أن معظم العلاقات الاجتماعية بطبيعتها تشمل بالضرورة قدراً معيناً من الأخذ والعطاء، والتي يجب ألا تُختزل بالمفاهيم المادية دون تلك المجردة كالصدق والإخلاص، والتقدير والاحترام، والوفاء والامتنان وغيرها من المفاهيم الإنسانية والأخلاقية العميقة التي تكاد تنضب في معادن البشر.

back to top