كيف حققت اليابان ما يجوز تسميته بـ«المعجزة الاقتصادية»؟

نشر في 28-01-2024
آخر تحديث 27-01-2024 | 18:45
No Image Caption

قال الخبير الاقتصادي «ميلتون فريدمان» ذات مرة إن أفضل طريقة للنمو السريع هي أن تُقصَف البلاد.

وعلى الرغم من صعوبة تخيل بلد يزدهر بعد خسارة كل شيء، إلا أن الاقتصاد الياباني في فترة ما بعد الحرب حقق المستحيل.

واستسلمت اليابان دون قيد أو شرط في 14 أغسطس 1945، حيث كلفت الحرب العالمية الثانية البلاد ما يقدر بنحو 2.6 إلى 3.1 ملايين شخص و56 مليار دولار أميركي.

وعلى الرغم من أن اليابان لم تكن تملك شيئًا تقريبًا، إلا أن اقتصادها تعافى بسرعة لا تصدق.

فقد شهدت اليابان، المعروفة باسم المعجزة الاقتصادية اليابانية، نموًا اقتصاديًا سريعًا ومستدامًا من عام 1945 إلى عام 1991، وهي الفترة ما بين ما بعد الحرب العالمية الثانية ونهاية الحرب الباردة.

وقد لوحظ أن هناك أربعة عوامل رئيسية سمحت بهذا النمو الفائق السرعة وهي التغيير التكنولوجي، وتراكم رأس المال، وزيادة كمية ونوعية العمالة، وزيادة التجارة الدولية.

ومن خلال التخطيط الاستراتيجي وتضافر الجهود بين الشركات والأفراد والحكومة، استغلت اليابان هذه العوامل لتصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم.

وعلى الرغم من مرور 78 عامًا على نهاية الحرب العالمية الثانية، تظل العديد من عناصر الانتعاش الاقتصادي لليابان ذات صلة بمجتمعنا ويمكن تطبيقها على البلدان التي خرجت مؤخرًا من الصراع.

عوامل دعّمت الانتعاش الاقتصادي في اليابان:

1 - التغيير التكنولوجي

بعد الحرب، خسرت اليابان أكثر من ربع طاقتها الصناعية ولم يتبق لها سوى مخزون رأسمالي لا فائدة منه.

وقد سمح ذلك لليابان بتبني وفرة من التقنيات الجديدة دون الحاجة إلى الانتظار حتى تُستهلك الأصول بالكامل، مما غذى شهيتها الشرهة للبدء من جديد والابتكار.

ووقعت طوكيو العديد من العقود لاستيراد التكنولوجيا الجديدة، ولا سيما في صناعات مثل الحديد والصلب والبتروكيماويات والإلكترونيات وتصنيع المحركات والهندسة الكيميائية، وهي قطاعات تتميز بمعدلات نمو عالية للغاية.

وعلاوة على ذلك، تم تطبيق العديد من السياسات الحكومية لمصلحة هذه التغييرات التكنولوجية.

فقد استخدمت الحكومة السياسة النقدية التوسعية لخلق «أموال رخيصة»، بحيث أصبح لدى الصناعات المتنامية إمكانية الوصول إلى الأموال منخفضة التكلفة.

كما أُبطِئت ضريبة الدخل الشخصي من خلال الإعفاء الجزئي من الفوائد وإيرادات توزيعات الأرباح من الضرائب.

وأثرت الدول الأجنبية بشكل كبير وألهمت إنشاء تقنيات جديدة، وبدأت اليابان في استيراد كميات هائلة من السلع أيضًا.

وعلى سبيل المثال، تم استيراد الأدوات الآلية والروبوتات وأصبحت مستخدمة على نطاق واسع في صناعة السيارات.

وأخذ اليابانيون التقنيات الجديدة التي استوردوها وقاموا بتحسينها بأنفسهم، ما جعل التكنولوجيا أكثر كفاءة بنسبة 20%.

2 - تراكم رأس المال

من أجل استيراد وتنفيذ التقنيات الجديدة المذكورة أعلاه، سخر اليابانيون رؤوس أموالهم للاستثمار في الصناعات التحويلية سريعة النمو.

في المقابل، كان الناس في البلدان الأخرى يستثمرون أكثر في قطاع الإسكان أو غير ذلك من رأس المال الاجتماعي.

وجاء هذا الاختلاف من رغبة اليابانيين الكبيرة في سد الفجوة التكنولوجية بين اليابان والدول الأجنبية وزيادة قدرتها التنافسية الدولية. وفي ذلك الوقت، كانت عوائد هذه الاستثمارات عالية لأن الإنتاجية الحدّية لرأس المال كانت مرتفعة للغاية. ومن أجل تحقيق التوازن بين هذه الاستثمارات الكبيرة وتجنب التضخم المرتفع للغاية، كان هناك أيضًا معدل مرتفع للادخار الشخصي.

خلال عامي 1959 و1970، بلغ متوسط نسبة المدخرات الشخصية إلى الدخل المتاح 18.3% في اليابان، بينما كانت 12% فقط في ألمانيا و7% في الولايات المتحدة.

3 - كمية ونوعية العمالة

ساهمت الزيادة في كمية ونوعية العمالة أيضًا بشكل كبير في نجاح اليابان، حيث قدر المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية أنها تمثل ما يقرب من 30% من النمو الياباني بعد الحرب.

وانتقلت العمالة أيضًا من القطاعات منخفضة الإنتاجية مثل الزراعة والغابات إلى قطاعات إنتاجية عالية مثل الطيران والسيارات والإلكترونيات.

وكان العنصر الأساسي في المعجزة الاقتصادية اليابانية هو كيريتسو، وهي مجموعات تجارية كبيرة جدًا تربط بين البنوك والشركات التجارية والصناعيين من خلال الملكية أو الأسهم والعلاقات الحصرية طويلة الأمد.

وقد منحهم حجمهم القوة المالية والروابط التي احتاجوها للتغلب على منافسيهم المحليين والأجانب، واكتسبوا بقوة حصة السوق في القطاعات عالية النمو ذات الإمكانات طويلة الأجل.

في الوقت نفسه، لعبت ثقافة مكان العمل في كيريتسو دورًا كبيرًا في نجاحها، لأنها حسنت جودة العمل.

4 - التجارة الدولية

أخيرًا، نمت صادرات اليابان بسرعة بعد الحرب، ما أدى إلى تعزيز الاقتصاد. فمن خلال توفير خصومات ضريبية لنفقات المبيعات الخارجية والقروض التفضيلية، كانت الحكومة قادرة على خفض أسعار الصادرات، ما يجعلها أرخص نسبيًا من البلدان الأخرى.

back to top