كيف تسلمت الأرجنتين راية التضخم الجامح من فنزويلا؟

نشر في 17-01-2024
آخر تحديث 17-01-2024 | 19:27
No Image Caption

أخيرا، تخلت فنزويلا عن لقب الدولة الأسوأ في مستويات التضخم بأميركا الجنوبية، بعد سنوات من النظر إليها باعتبارها مثالا على الانهيار الاقتصادي والارتفاعات الجنونية للأسعار.

وحلت الأرجنتين بدلا من فنزويلا في صدارة القائمة خلال ديسمبر الماضي، مع بدء تنفيذ الرئيس الجديد خططه التي ترتكز على سياسة العلاج بالصدمة.

قفزة حادة للتضخم

وكشفت بيانات هيئة الإحصاءات في الأرجنتين أن التضخم السنوي تجاوز 211% في ديسمبر الماضي، وهو أعلى مستوى منذ تسعينيات القرن الماضي، ومقابل 160.9% في نوفمبر، وتستمر معدلات التضخم السنوي بالأرجنتين في تجاوز مستويات 100% منذ فبراير 2023.

وعلى أساس شهري، بلغ التضخم بالأرجنتين 25.5% في ديسمبر، وهي أسوأ قراءة منذ عام 1991، مقابل 12.8% في نوفمبر، لكنه جاء أقل من التوقعات البالغة 30%، وقادت الخدمات وتيرة الزيادات الشهرية للأسعار في الأرجنتين بنحو 32.7%، يليها الصحة والنقل والطعام والشراب بنحو 32.6% و31.7% و29.7% على الترتيب.

وجاءت قفزة التضخم في الأرجنتين بعد خفض قيمة العملة المحلية «البيزو» في ديسمبر، عقب أيام قليلة من تولي الرئيس الليبرالي خافير مايلي مهام منصبه، والذي تعهد بالسيطرة على التضخم الجامح في الأرجنتين من خلال تدابير تقشفية حادة، وخفض البنك المركزي في الأرجنتين معدلات الفائدة إلى 100%، في تحول للسياسة النقدية عقب تولي مايلي مهام منصبه.

العلاج بالصدمة يفاقم الأزمة

ورغم حقيقة أن التضخم الحاد يطارد الأرجنتين منذ سنوات، فإن معدل زيادة الأسعار شهد تسارعا ملحوظا في الفترة الأخيرة لمستويات غير مسبوقة منذ أزمة تسعينيات القرن الماضي، وينبع التضخم الحاد والمزمن في الأرجنتين من اعتماد الحكومات السابقة على طباعة النقود لتمويل الإنفاق، وهي الممارسات التي انتقدها الرئيس الجديد مرارا خلال حملته الانتخابية قبل توليه المنصب.

لكن ضغوط الأسعار تفاقمت في الشهر الماضي، مع سعي الرئيس الجديد الذي تولى منصبه في 10 ديسمبر الماضي إلى استخدام إجراءات تقشف صارمة للسيطرة على التضخم، وتقليص العجز المالي وضبط المالية العامة للدولة، وخفضت الحكومة الجديدة في الأرجنتين سعر الصرف الرسمي بنحو 54%، مع إلغاء ضوابط الأسعار على مئات المنتجات الاستهلاكية، ما تسبب في زيادة أسعار المواد الغذائية بشكل خاص.

ووصل سعر الصرف الرسمي إلى نحو 815 بيزو لكل دولار، بينما صعد في السوق الموازية إلى 1150 بيزو. وأقر مايلي إلغاء الدعم عن المرافق والنقل وزيادة الضرائب، ضمن إجراءات أخرى تستهدف تدعيم نظام الاقتصاد الحر وإنهاء عجز الموازنة.

كما أوقف الرئيس الجديد طباعة النقود بشكل حاد، والتي كانت سمة أساسية قبل انعقاد الانتخابات الرئاسية، لكن مايلي أشار إلى أن السيطرة على التضخم ستحتاج وقتا، محذرا من أن الأمور قد تزداد سوءا قبل أن تتحسن.

غضب شعبي ومباركة الصندوق

ورفع مايلي، خلال حملته الانتخابية، شعار «لا يوجد مال»، مكررا أن الأرجنتين تخاطر بالانزلاق في حالة من التضخم الجامح إذا لم تخفض الإنفاق بشكل حاد. لكن الإجراءات التقشفية التي اتخذها الرئيس أثارت غضب كثير من المواطنين الذين قاموا بوقفات احتجاجية في الشوارع، إضافة إلى النقابات العمالية التي دعت إلى إضراب عام في 24 يناير.

وبالفعل يقبع نحو 40% من الأرجنتينيين تحت خط الفقر، وسط تراجع حاد في القدرة الشرائية والطلب الإجمالي. وتستعد الأرجنتين لإصدار أوراق نقدية بفئات أكبر من العملة المحلية «البيزو»، في محاولة لتبسيط المعاملات اليومية التي تتطلب حالياً حمل حقائب مليئة بالنقود للقيام بمشتريات يومية.

وقال البنك المركزي في الأرجنتين إنه وافق على إصدار أوراق مالية من فئة 10 و20 ألف بيزو، لجعل النظام المالي أكثر كفاءة وتقليل تكاليف امتلاك الفئات القديمة، والتي كانت أعلى فئة منها تبلغ 2000 بيزو.

وأصبحت الأرجنتين تعتمد بشكل غير رسمي على الدولار الأميركي في العديد من المعاملات اليومية، لكن الحصول عليه ما زال مكلفا بالنسبة للأرجنتينيين، مع استمرار وجود حاجة إلى العملة المحلية للقيام بالمهام اليومية، مثل شراء البقالة وتناول الطعام والنقل وغيرها.

لكن صندوق النقد أبدى رضاه عن خطط الحكومة الأرجنتينية الجديدة، حيث وافق مؤخرا على مراجعة لبرنامج بقيمة 44 مليار دولار مع الدولة اللاتينية، ما يمهد الطريق لصرف شريحة أكبر من المتوقع بنحو 4.7 مليارات دولار، ويتوقع الصندوق أن تؤدي خطة العلاج بالصدمة من قبل الرئيس مايلي إلى زيادة الأسعار في الأشهر المقبلة، قبل أن تتحسن مستويات التضخم بشكل تدريجي مع إعادة الدولة بناء مصداقيتها.

منافسة على لقب الأسوأ

وبعد القراءة الأخيرة للتضخم، تجاوزت الأرجنتين معدل ارتفاع الأسعار في جارتها فنزويلا، والتي لطالما كانت بمنزلة مثال حي لأزمة التضخم عالمياً. وتشير الأرقام الأخيرة إلى أن التضخم في فنزويلا تباطأ إلى نحو 190% بنهاية العام الماضي، بعد سنوات من ارتفاع الأسعار المؤلم والخارج عن السيطرة.

وقال المرصد المالي الفنزويلي (OVF) إن تقديراته تشير إلى تباطؤ التضخم في البلاد إلى 193%، مع انخفاض قيمة عملة البوليفار بوتيرة أقل من المسجل سابقا، إضافة إلى سياسة عدم رفع الرواتب منذ مايو 2022، ورغم استمرار التضخم عند مستويات مرتفعة في فنزويلا، فإنها تمثل تراجعا ملحوظاً مقارنة بالمسجل في عام 2022 عند 234% وحوالي 686% في العام السابق له.

وتكافح فنزويلا من أجل احتواء التضخم، بعد أن كسرت البلاد في بداية عام 2022 واحدة من أسوأ نوبات التضخم المفرط في التاريخ، حيث بلغ ذروة قياسية تجاوزت مستوى المليون في المئة عام 2018، وشهدت فنزويلا قبل سنوات شحا في العملات الأجنبية جراء العقوبات الأميركية التي استهدفت صادرات النفط، ما دفع حكومة الرئيس نيكولاس مادورو إلى طباعة المزيد من النقود، ليشهد التضخم تسارعا حادا.

وعانى اقتصاد فنزويلا من انهيار شامل وطويل، ما تضمن تضخما جامحا وهجرة جماعية لملايين المواطنين، إضافة إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنحو 80% في الفترة بين عامي 2013 و2021، لكن الإدارة الأميركية قامت بتخفيف القيود المفروضة على فنزويلا، ما أدى إلى تحسين الوضع المالي للبلاد، وساعد البنك المركزي على دعم استقرار العملة من خلال بيع مليارات الدولارات في سوق الصرف، ما خفف الضغوط على الأسعار، وعلى أساس شهري، بلغ التضخم في فنزويلا 2.5% فحسب في ديسمبر الماضي، وهو الشهر العاشر على التوالي الذي يشهد معدلات تضخم من رقم أحادي.

back to top