هل يكون جو بايدن جيمي كارتر الجديد حقاً؟

نشر في 15-01-2024
آخر تحديث 14-01-2024 | 18:28
 بروجيكت سنديكيت

بات من الرائج المألوف في الآونة الأخيرة مقارنة الرئيس الأميركي جو بايدن في عام 2023 بجيمي كارتر في عام 1979، فكما قضت أحداث 1979 على آمال كارتر في إعادة انتخابه في العام التالي، يُـقال إن التطورات في 2023 أحبطت فعليا محاولة بايدن الفوز بولاية رئاسية ثانية في نوفمبر. الأمر الأشد وضوحا هو أن كارتر وبايدن واجها مشكلة تضخم مثبطة للعزيمة، لكن التضخم في عهد كارتر كان أسوأ كثيرا، ففي نوفمبر 1979، قبل عام من الانتخابات، كان معدل تضخم أسعار المستهلك في الولايات المتحدة عند مستوى 12.6%، وفي المقابل، في الأشهر الاثني عشر المنتهية في نوفمبر 2023، كان تضخم أسعار المستهلك متواضعا عند مستوى 3.1%، لكن التضخم يظل يشكل لبايدن عائقا سياسيا، حتى إن تجاوزنا هذه الظاهرة إلى حد كبير الآن.

ثانياً، أطلق بايدن، مثل كارتر قبله، يد الاحتياطي الفدرالي في التصدي للمشكلة، واختار كارتر بول فولكر لرئاسة مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي، وكان اختياره قائما إلى حد كبير على مؤهلات فولكر في مكافحة التضخم، مع علمه الكامل بأن رئيس المجلس الجديد سيرفع أسعار الفائدة، وعلى الرغم من تحذيرات مستشاره السياسي، بيرت لانس، من أن تعيين فولكر من شأنه أن يقضي على فرص إعادة انتخاب الرئيس، سمح كارتر لفولكر آنذاك بمواصلة أعماله. كان نهج عدم التدخل الذي تبناه كارتر خلال الفترة التي سبقت الانتخابات مختلفا تماما عن النهج الذي اتبعه بعض سابقيه، وخصوصا ريتشارد نيكسون قبل انتخابات 1972.

بالمثل، سمح بايدن للاحتياطي الفدرالي بقيادة جيروم باول بتعديل أسعار الفائدة حسب ما يراه مناسبا، متجاهلا صرخات الألم من مشتري المنازل وغيرهم، ومرة أخرى كان امتناع بايدن عن انتقاد الاحتياطي الفدرالي متعارضا تماما مع الموقف الذي اتخذه سلفه دونالد ترامب.

ثم هناك المشكلات التي واجهت الرئيسين على جبهة السياسة الخارجية في عموم الأمر، وفيما يتعلق بإيران بشكل خاص، وفي نوفمبر 1979، اقتحم متظاهرون من الطلاب السفارة الأميركية في طهران، واحتجزوا 66 أميركيا رهائن، بعد ذلك بفترة وجيزة، عاد آية الله روح الله الخميني من منفاه في باريس، وكان وصفه للولايات المتحدة بأنها «الشيطان الأكبر» مصدر إلهام لخطاب الحكومة الإيرانية وسياساتها منذ ذلك الحين. أُطلِق سراح الرهائن بعد دقائق من تنصيب رونالد ريغان في يناير من عام 1981، وتحول فشل المحاولة التي أقرها كارتر لإنقاذهم في ابريل من العام السابق إلى جرح سياسي مفتوح في الفترة التي سبقت الانتخابات ورمز لسياسة خارجية فاشلة.

اليوم، يتعين على إدارة بايدن على نحو مماثل أن تتعامل مع استفزازات إيران في سورية ولبنان، حيث تقدم الدعم للضربات الصاروخية التي يشنها حزب الله على إسرائيل، وفي البحر الأحمر، حيث تدعم هجمات الحوثيين على سفن الشحن العابرة، ربما يكون معظم الرهائن الذين تحتجزهم حماس في غزة إسرائيليين، إلى جانب عدد أقل من الأميركيين من مزدوجي الجنسية، لكن عجز إدارة بايدن عن تدبير وقف إطلاق نار ممتد أو المساعدة في تحرير الأسرى يخلق شعورا مماثلا بالعجز. تُرجِم كل هذا إلى معدلات تأييد بائسة لبايدن، أسوأ حتى من تلك التي نالها كارتر في عام 1979، وعلى هذا فإن المقارنة ستكون موحية حتى لو لم نُـذَكَّـر للتو بأنه لا أحد غير بايدن الشاب، الذي كان آنذاك عضوا في مجلس الشيوخ الأميركي، أعرب عن شكوكه أثناء الفترة التي سبقت انتخابات 1980 في أن يعود سعي كارتر للحصول على ولاية ثانية بالفائدة على شاغل المنصب أو الحزب الديموقراطي.

ولكن بالإضافة إلى أوجه التشابه، لا يخلو الأمر من اختلاف مهم أيضا بين بايدن وكارتر، وتحديدا في موقفهما السياسي، فقد ساور كارتر القلق إزاء حالة الأميركيين العقلية الـجَـزِعة وآفاق البلاد في المستقبل. في يوليو 1979، ألقى ما أصبح يعرف بـ«خطاب الضائقة»، استنكر كارتر أزمة الثقة بين الأميركيين وأعرب عن أسفه إزاء «الشكوك المتنامية حول معنى حياتنا» و«خسارة وحدة الغرض في أمتنا»، وتابع قائلا إن الأميركيين بدأوا يفقدون الثقة «ليس فقط بالحكومة ذاتها، بل بقدرتهم كمواطنين على العمل كحكام نهائيين على ديموقراطيتنا وصناع لها». هل يبدو هذا مألوفا؟

في الواقع، لم يكن الخطاب سلبيا بالكامل، ولكن جرى تصويره على ذلك النحو، وخاصة من قِبَل ريغان، الذي قَـدَّمَ نفسه على أنه «محارب سعيد»، مؤكدا في ختام خطابه عشية الانتخابات: «لا أجد أي ضائقة وطنية»، ففَـضَّـل الناخبون الأميركيون ثقة ريغان المتفائلة على تأملات كارتر الكالحة. الآن، بالطبع، نجد أن شاغل المنصب، بايدن، هو المتفائل، الذي يصر على أن أميركا تسلك المسار الصحيح، في حين يَـدَّعي المنافس المحتمل، ترامب، أن أميركا تعاني ضائقة عميقة الجذور، ويرغب بشدة في الانتقام، ويرى التهديدات عند كل منعطف، والواقع أن التاريخ يشير إلى أن الناخبين الأميركيين يفضلون التفاؤل، لكنه يشير أيضا إلى أنهم زاخرون بالمفاجآت.

* باري آيكنغرين أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا، وكبير مستشاري السياسات الأسبق في صندوق النقد الدولي.

back to top