الإنسان الخفي

نشر في 21-11-2022
آخر تحديث 20-11-2022 | 21:47
 حسن العيسى

يكاد يرى المعترضون، وهم المؤيدون لاستمرار عمل الجهاز المركزي للمقيمين بصورة غير قانونية، أنه لا حل لوضع «البشر» البدون غير رميهم خارج الحدود ما لم يكشفوا عن هوياتهم وأصولهم الحقيقية، وكأن الهوية الكويتية نزلت من السماء لشعب الله المحتار، ولم تكن نتيجة خلق مجازي لقانون الجنسية عام 1959. معارك كلامية ضجت بها وسائل التواصل الاجتماعي، نقلت الحجم الرهيب لعقدة التعالي عند الكثير من المعترضين حين صوروا الأمور لتمكين البدون من نيل الحد الأدنى من الحقوق الإنسانية بأنها نفي للهوية الكويتية وتدميرها.

بعد عشر سنوات تقريباً من خلق الجهاز المركزي للمقيمين بصورة غير قانونية، لم تحل أزمة البدون الكويتيين، بل زادت معاناة أصحابها حين اشترطت أجهزة الدولة الحصول على بطاقات معينة وملونة من الجهاز - اللون حسب وضع صاحبها - لتمكين صاحبها من الحصول على حقه كإثبات عقد الزواج والحق في التعليم والعمل وغير ذلك. تسمية «الجهاز المركزي» بحد ذاتها مرعبة وفيها مقاربة نفسية للسجن المركزي.

البدون ورغم أن الحديث عنهم يتناول عدة أجيال من الذين ولدوا واستقروا بهذه الأرض، حتى قبل أن يُعترف بالدولة الكويتية كشخصية اعتبارية بحدود معلومة تمارس حقوق السيادة علي إقليمها والاعتراف بالدولة من قبل بقية الأمم في مفهوم القانون الدولي يعد أساساً لوجودها، لا يختلف وضعهم عن «الرجل الخفي» برواية رالف اليسون، المنشورة عام 52، وهو الإنسان الأسود الموجود كواقع مادي في المجتمع الأميركي ولا يمكن رؤيته اجتماعياً، فهو والعدم سواء، فهم (السود) غير موجودين طالما لم يعترف بهم وبحقوقهم.

الاعتراض على تجنيس المستحقين من البدون أو منحهم حقوقهم الاجتماعية ينطلق من أنانية استحواذية للمناضلين المعترضين، فهم يرون أن المشاركة في الجنسية والتوسع بها يعني التقليل من حصصهم في ثروة البلد وتهديداً ليس لهوياتهم بل لاحتمال تناقص امتيازات مادية كرستها لهم صدفة النفط، وليست الهوية الوطنية التي يتحدثون عنها كتراث حكايات السندباد ونضال الماضي غير أعذار تخفي روحاً طبقية عنصرية متعالية، كل ذلك التراث الأسطوري الذي روج له الإعلام الهزيل قد رحل مع أول برميل نفط صدر للخارج ومع إصدار شهادة ميلاد دولة الريع الاتكالية، تواضعوا قليلاً يا ناس.

back to top