التطوع الثقافي

نشر في 05-01-2024
آخر تحديث 04-01-2024 | 18:52
 مها العجمي

التطوع سلوك راق موجود منذ نشأة المجتمعات الإنسانية، فلا تخلو ثقافة ما أو حضارة من وجود أفراد متميزين لديهم حس إنساني عالٍ وإيثار ووعي جعلهم بلسماً للمحيطين، وكذلك لديهم شعور عميق ذاتي بأنهم عنصر فعال عليهم مسؤولية وواجبات تجاه أحبابهم ومجتمعاتهم، والأمثلة على ذلك كثيرة محلية وعالمية مثل عبدالرحمن السميط وعبدالعزيز البابطين وعبدالله النوري ونيلسون مانديلا أيضاً أوبرا وينفري ومهاتما غاندي والقائمة تطول.

والتطوع تعريفاً هو «سلوك فردي أو جماعي يقوم به الشخص بملء إرادته لتقديم خدمة للمجتمع ذات قيمة بدون مقابل مادي»، وهو ديني أو تعليمي أو بيئي أو تربوي أو فني أو اجتماعي أو سياحي أو غيره، فلله الحمد والمنة أن أغلب أبواب التطوع موجودة في بلدي الحبيب الكويت، فقد اتخذت دولة الكويت من العمل التطوعي منهاجاً لها، والأدلة الحاضرة أكبر برهان، منها على سبيل المثال لا الحصر «مركز الكويت للعمل التطوعي» برئاسة الشيخة أمثال الأحمد الصباح، والشواهد التاريخية كذلك ما زالت حاضرة وستبقى بذاكرة الأجيال من حكايات الأجداد والوثائق المكتوبة التي سطرت لنا أعظم الأمثلة على تكاتف الشعب الكويتي في شتى الظروف القاسية التي مرت عليهم في البحار والصحارى منذ نشأة الكويت سيادياً في النصف الأول من القرن الثامن عشر حتى ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين قبل اكتشاف النفط والنهضة الاقتصادية.

وكون هذا العمل يسمو بالشخص ومحيطه أصبح الاهتمام به متزايداً، لكن هناك نوع رائع يغفل عنه مجتمعنا وهو التطوع الثقافي، فهذا أكثر الأنواع الذي يعود بالفائدة القصوى على الإنسان على المستوى الشخصي والمجتمعي، فمن ثمراته الشخصية المباشرة أنه يكسب صاحبه ثقة عالية بالنفس ومرونة وذكاء اجتماعيا، وينمي الجانب العقلي والمعرفي ويعزز الهوية الوطنية، فالتطوع الثقافي هو الوجود بالمراكز الثقافية والمراكز العلمية كالمتاحف والجامعات والمكتبات الكبرى، وكل مركز ومحفل علمي بغرض كسب المعرفة وإيصالها عن طريق عملية التعرض المباشر، فبعد كسب المعلومات المتعلقة بطبيعة المكان وثقافته واستيعابها يقوم المتطوع بتعليمها لزوار ورواد المكان بأسلوبه، فكثرة التعرض والخطأ والصواب مره تلو الأخرى تصقله وتجعل منه إنساناً مسؤولاً قادراً على التعبير عن نفسه وتقديم أقصى فائدة لمجتمعه.

وهذا الكلام أذكره عن تجربة شخصية عادت عليّ بفائدة عظيمة، فمنذ سنوات عديدة قرأت منشوراً لدار الآثار الإسلامية المتحف المتميز الذي يحتوي على مجموعة الصباح الآثارية، وفحوى المنشور أن باب التطوع في الدار مفتوح لمن يرغب في تعلم الإرشاد المتحفي واستقبال الزوار وتعريفهم بتاريخ المكان وتاريخ العصور الأثرية ومقتنيات المتحف النفيسة، وفعلاً لم أتردد للحظة وكنت ضمن المتطوعين، وبفضل من الله عاد عليّ هذا التطوع بفائدة كبيرة على المستوى المعرفي والشخصي والنفسي والمهني، وبعد سنوات مرت وأثناء يوم عمل عادي لي في أحد متاحف الدولة قام بزيارة المكان شاب في مقتبل عمره في سنوات الجامعة الأولى مهتم بالتطوع والخدمة المجتمعية، وشارك في شتى أنواع التطوع لكن لديه اهتمام بالجانب الثقافي يسأل عن إمكانية التطوع، وللأسف لم أستطع إعطاءه إجابة وافية كون المكان يرفض هذه الفكرة، وشعرت بحزن عظيم، فلم أجد في الكويت حتى الآن مكاناً يقدم فكرة التطوع الثقافي غير دار الآثار الإسلامية هذا الصرح السبّاق دائماً بقيادة الشيخة حصة الصباح، أتمنى من المتاحف والمراكز العلمية والثقافية أن تحذو حذوه وتؤمن بأهمية هذا التطوع، وبأنه أكثر الأنواع فائدة للشباب والأجيال الصاعدة.

back to top