تحرير المصطلحات

نشر في 22-12-2023
آخر تحديث 21-12-2023 | 19:03
 د. محمد عبدالرحمن العقيل

اشتهر العرب الأوائل بالفصاحة والبلاغة والردود السريعة المبهرة، التي تعكس مدى فطنة المتحدث ودهائه في الرد، والتاريخ العربي مليء بهذه القصص اللطيفة في البلاغة، ومع ذلك، وبالرغم من هذا التاريخ الحافل بالفصحاء والبلغاء فإنني أستغرب كيف وصلنا إلى هذا المستوى الضعيف في الرد على أسئلة الإعلام الغربي، سواء في المقابلات الصحافية أو الإذاعية أو في المؤتمرات الرسمية!

والسؤال المحيّر: أين ذهب ذلك العربي النبيه الذي اشتهر بالفصاحة وحسن الرد؟! هل ذلك بسبب عدم التأهيل الكافي للمتحدثين الرسميين؟ أم بسبب ضعف لغتهم الإنكليزية؟ أم بسبب ضعف المناهج التعليمية التي لم تركز على هذه المواد العلمية منذ البداية؟!

تعد إدارة الحوارات السياسية من المهام الصعبة والمعقدة، التي تعتمد على الخبرة العملية والثقافة وسرعة البديهة، وصَدَق من أسماها «مبارزات كلامية»، فالمبارزة تقتضي على اللاعب أن يفهم من أمامه ويدرك مناطق قوته وضعفه، ليعرف كيف يلاعبه ويكسب المباراة، وأما المباريات «الحوارية» فهدفها إيصال الرسالة للجمهور بصورة واضحة وبحجة مبينة. فلذلك يجب الاستعداد لها جيدا، وأن يكون المحاور حاذقا في قراءة قرينه، وفهم طبيعته وثقافته، وأن يعرف كيف يتحكم في مشاعره ونبرات صوته ونظراته ولغة جسده، وأن يركّز على كلماته، ويعرف متى يشد ويمزح. إن من أهم شروط نجاح الحوارات، تفسير المصطلحات من البداية، لأن تسمية الأشياء بغير حقيقتها يعد تضليلا وبهتانا يقلب الحقائق، وهذه «لعبة الإعلام الغربي» التي تعلمها من اليهود. ولهذا السبب لم أسمع إجابة شافية عن السؤال المطروح في الإعلام الغربي: هل تدين «خماس»؟ طبعا هذا سؤال مغلوط، ولا بد للضيف أن يحرر هذا اللبس من البداية، ويعيد صياغة المفاهيم الصحيحة للجمهور، الذي أصبح يعي زيغ وتحيّز الإعلام الممنهج، فكيف أناقش من يصنّف حركة المقاومة التي تدافع عن أرضها وحقوقها وأسراها بالجماعات الإرهابية؟! ويصنف الكيان الصهيوني الغاصب المعتدي بالدولة الإنسانية الحضارية؟!

لذلك، أنصح كل محاور ألّا يعتمد على قوة أدائه وحضوره إذا لم يفسّر المصطلحات على حقيقتها، ويكشفها للجمهور، فهي التي تحسم النقاش.

أعزائي القرّاء، إن أهمية تحرير المصطلحات المأسورة، كأهمية تحرير الأسرى المظلومين.

back to top