الشيخ نواف الأحمد أمير القلوب... لا يغيب
أن تكون أميراً للقلوب ليس أمراً سهلاً، فبعض الناس من الحكام أو المحكومين وعلى اختلاف مناصبهم، يقضون أعمارهم في هذا السبيل، ولا ينالون من فضله أي فضل يذكر، لهذا فإن هذا المقال بمنزلة شهادة حية على واقعة تُغني عن التأريخ والترجمة، وحتى عن الأدب والشعر والسياسة.
عندما اشتد المرض على الأمير الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت ودخل المستشفى كنت حينها في الكويت، وكانت أواخر أيام معرض الكويت الدولي للكتاب 2023، في تلك الأيام القريبة رأيت بأم العين محبة الناس للأمير، المحبة التي كانت تشع من عيون الزائرين للمعرض بمختلف أطيافهم ومشاربهم الفكرية، وسمعت أنواعاً شتى من الدعاء الصادق، كلٌ يدعو وفق ما يحفظ ويعرف، لكن الذي لفتني تلك السيدة الفاضلة على كرسي متحرك وقد شارفت على السبعين من العمر حسب ما قالت ابنتها لاحقاً، هذه السيدة ذكرتني بأمي (رحمها الله)، في دعائها، في صفائها عندما قالت وهي تدعو للأمير بصوت عال: «إلهي خذ من عمري وأعطِ نواف (الأمير)، وخذ ما تبقى من صحتي وأعطِ نواف»، ثم أجهشت في البكاء! أنا تسمّرت في مكاني، وكأنّ الوقت قد تجمّد في مقام المحبة التي خيمت على المكان، وحتى على كتبه وزواره، موجة شفيفة من الطهر والبساطة والعمق والفطرة قد سرت من وجه هذه السيدة السبعينية العليلة، عندها لم أتمالك نفسي إلا وقد فرّ الدمع من عينيّ، فانتبهت ابنتها المرافقة، وسألتني: «أتفهم أن والدتي تحب الشيخ نواف بشكل خاص لأمر فعله لها قبل سنوات، وتدعو له بشكل دائم، ولكن لماذا بكيت أنت؟».. أجبتها من فوري: «المحبة الحاكمة غالباً ما تكون دامعة»، فهمت الفتاة النبيهة قصدي بعد أن كانت أخذت روايتي «أيام مولانا» أول يوم من المعرض وأخبرتني أنها قرأتها خلال يومين، فكان الجواب من وحي الرواية... عندها ابتسمت الفتاة بسمة فارقة ومضت.
مضت الفتاة، ومضيت أنا في نفسي، في أفكاري، في تدبري، وفي تساؤلاتي: أي محبّة في قلوب الناس يملك هذا الأمير؟! وأنا الشاهد الحي المنتبه والمتابع من خلال رواد المعرض، يعني لم يخبرني أحد، وقد سقطت العنعنة (حدثني فلان عن فلان عن...) واستقرت المعاينة.
أنا لا أعرف الأمير الشيخ نواف، رحمه الله، ولم أره في حياتي، لكن الذي رأيته وسمعته من الناس، من أهل الكويت ومن المقيمين على حد سواء، وخلال أيام معدودات، جعل قلبي يخفق له بالمحبة والدعاء وحسن الخاتمة، وأي خاتمة أجمل وأنبل وأكمل من هذه المحبة الساكنة والصاخبة والباقية في قلوب الناس، ولعَمري إنه الميراث الذي يبقى ما بقي الدهر، يموت الرجال ويبقى ذكرهم... وأصدق تعبير قول المتنبي:
ذِكْرُ الفتى عمره الثاني وحاجته
ما فاته وفُضول العيش أَشْغال
رحم الله الأمير الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح أميراً للقلوب في الدنيا، وأسكنه الفسيح من جنانه في الآخرة، ولأهل الكويت ولنا خالص العزاء، وإنه السبت 16/ 12/ 2023 الواقع فيه حزننا عليه، والواقعة فيه محبتنا له.
* شاعر وروائي لبناني