مقاطعة إسرائيل... بين الواقع والقانون

نشر في 14-12-2023
آخر تحديث 13-12-2023 | 18:40
المحامية/ عائشة مساعد البناي
المحامية/ عائشة مساعد البناي

صدر القانون الموحد لمقاطعة إسرائيل رقم 21 لسنة 1964، والذي كان ترجمة للمرسوم بقانون رقم 21/1957 استجابة لتوصيات أمانة جامعة الدول العربية، حيث اتخذت الدول الأعضاء موقفاً بإصدار قانون يحظر التعامل مع إسرائيل بالكيفية والتفاصيل التي سنوردها لاحقاً.

بادئ ذي بدء، نحمد الله على نعمة الكويت والمواقف المشرفة التي تتخذها قياداتنا السياسية في مثل هذه الظروف التي تشكل عقيدة ومبدأ بالنسبة لنا كمسلمين عرب في بلد الإنسانية.

استهل القانون في مادته الأولى بنصه على أنه «يحظر على كل شخص طبيعي أو اعتباري أن يعقد بالذات أو بالوساطة اتفاقاً مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل أو منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها أو لمصلحتها أينما أقاموا وذلك متى كان محل الاتفاق صفقات تجارية أو تعاملات مالية أو أي تعامل آخر أياً كانت طبيعته، وتعتبر الشركات والمنشآت أياً كانت جنسيتها التي لها مصالح أو فروع أو توكيلات عامة في إسرائيل في حكم الهيئات والأشخاص المحظور التعامل معهم طبقاً للفقرة السابقة حسبما يقرره المشرف على شؤون المقاطعة وفقاً لتوصيات مؤتمر ضباط الاتصال». ويتضح من نص المادة السابقة أنه تم حظر الاتفاقات والتعاقدات والمعاملات التجارية أو أي عملية مالية أو أي تعامل، أيّاً كان شكله أو طبيعته، سواء تمت هذه التعاملات بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء كانوا هيئات أم أشخاصاً طبيعية كانت أو اعتبارية، سواء كانوا إسرائيليين أو مقيمين في إسرائيل أو ينتمون إليها بأي شكل من الأشكال، أيّاً كان مكان إقامتهم أو يعملون لمصلحة أو لحساب إسرائيل (الكيان المحتل)، وذكرت المادة بشكل خاص أن الشركات والمنشآت أياً كانت جنسيتها والتي لها مصالح أو فروع أو توكيلات عامة في إسرائيل لها حكم الهيئات والأشخاص المحظور التعامل معهم.

أما المادة 2 من ذات القانون فتنص على أنه «يحظر دخول أو تبادل أو حيازة البضائع والسلع والمنتجات الإسرائيلية بكل أنواعها كما يحظر الاتجار فيها بأي صورة، ويسري الحظر على القراطيس المالية وغيرها من القيم المنقولة الإسرائيلية في دولة الكويت. وتعتبر إسرائيلية البضائع والسلع المصنوعة في إسرائيل أو تلك التي دخل في صناعتها جزء أياً كانت نسبته من منتجات إسرائيل على اختلاف أنواعها سواء وردت من إسرائيل مباشرة أو بطريق غير مباشر. وتعتبر في حكم البضائع الإسرائيلية السلع والمنتجات المعاد شحنها من إسرائيل أو المصنوعة خارج إسرائيل بقصد تصديرها لحسابها أو لحساب أحد الأشخاص أو الهيئات المنصوص عليها في المادة الأولى».

نلاحظ من النصين المذكورين آنفاً ـن المشرع حظر دخول أو تبادل أو حيازة أو الاتجار في أي بضائع أو سلع أو منتجات إسرائيلية بكل أنواعها، كما اعتبر أن المنتجات إسرائيلية سواء كانت مصنوعة في إسرائيل أو شاركت في صناعتها وسواءً كانت قد وردت للكويت بشكل مباشر أو غير مباشر من إسرائيل، كما تأخذ حكم البضائع الإسرائيلية السلع أو المنتجات المُعاد شحنها أو المصنوعة خارج إسرائيل بقصد تصديرها لحساب إسرائيل أو لحساب أحد الأشخاص أو الهيئات المنصوص عليها في المادة (1).

وعليه يبدو جلياً أن المشرع وضع أوصافاً وشروطاً دقيقة لحظر التعامل مع أي منتج لإسرائيل أو الكيان الصهيوني أي يد فيه سواءً من قريب أو من بعيد، بل حتى حظر التعامل مع أي بضائع أو منتجات لأي كيان يعمل لحساب إسرائيل أو لمصلحتها.

ونذكر أن المادة 3 أوضحت أنه على المستورد بيان البلد الذي صنعت فيه السلع وكذلك أنه لم يدخل في صناعة السلع أية مادة من منتجات إسرائيل أيا كانت نسبتها.

أما المادة الرابعة، فقد بينت وألزمت سلطات الجمارك والموانئ بأن تتخذ ما يلزم من التدابير لمنع تصدير السلع التي عينها مؤتمر ضباط الاتصال إلى البلاد الأجنبية التي يثبت أنها تعيد تصديرها إلى إسرائيل، وكانت هذه المادة تضع رقابه لاحقة بالإضافة الى المتابعة من قبل الجهات الرقابية المختصة زيادة في الحرص.

وأوعزت المادة الخامسة بأن المناطق الحرة غير مستثناة من هذا الحظر، وأكدت عدم جواز استقبالها لأي من المنتجات المنوه عنها في هذا القانون بل ولا يجوز أن تمر على أرض بلدنا الحبيب الكويت.

أما المواد من 6 إلى 8، فقد نصت على العقوبات التي ستتعرض لها كل مخالفة لأحكام هذا القانون والتي تتراوح بين السجن والغرامة والمصادرة ونشر ملخصات الأحكام بالإدانة على نفقة المحكوم عليه، ونخص بالذكر أن المادة 7 ذكرت أنه يعفى من العقوبة – عدا المصادرة- كل من بادر بالإبلاغ عن الجريمة في حال تعدد الشركاء وتكشفت الجريمة بسبب إبلاغه، كما نصت المادة 9 على المكافآت التي تكون للموظفين وغيرهم ممن يضبط هذه الأشياء الممنوع دخولها أو مرورها بدولتنا الكويت، أما المادة العاشرة فقد أوجبت صدور قرار بالموظفين المسؤولين عن ضبط وإثبات هذه الجرائم كما أعطتهم صفة الضبطية القضائية.

ونناشد من هذا المنبر بأن يصدر قرار يحتوى بشكل واضح على كل منتج ممنوع التعامل معه وكل كيان ممنوع التعامل معه حسب التفصيل السابق لا أن نحدد درجات للمنتجات أو الكيانات، إذ نحتاج تطبيقاً واضحاً للنصوص السالفة الذكر، أخذاً في الحسبان أنه في حال وجود اجتهاد في تفسير قانون مقاطعة إسرائيل لا ينبغي الخروج عن مضامين القانون الصريحة والالتفاف على صراحة النصوص لمصالح تجارية وأغراض شخصية، وفي جميع الأحوال على الجهات المنوط بها تطبيق أحكام القانون والإشراف عليه أن توسّد الأمر لأهله بأن يعرض القانون والتفسير فيه للقضاء العادل أو لإدارة الفتوى والتشريع بوصفها جهة إفتاء.

وعليه، فان اتجاه المشرع واضحاً، والمقاطعة الرائجة حالياً هي بالأصل تم تقنينها منذ 66 سنة مضت، فشكراً للظروف الحالية التي جعلتنا نفعِّل بشكل ملموس نصوصاً قانونية قد سنت منذ عشرات السنين، وهذا إن دل فإنما يدل على أننا مهما انشغلنا فسوف نعود لا محالة إلى قضية أرضنا العربية المسلمة المغتصبة لأنها تمثل عقيدة ومبدأ غير قابل للتنازل عنه.

ومن هذا المنبر، نناشد كل مسؤول بأن يضع هذه النصوص نصب عينيه ويطبقها في حدود اختصاصه وسلطته، وكلنا أمل للأفضل، وأتمنى أن نصل إلى يوم لا نحتاج كمستهلكين أن نقاطع بعض المنتجات الموجودة بالسوق لأننا لن نجدها بالأصل، وهو ما سيعود علينا اقتصادياً بالنفع، وسنكتفي بما لدينا، ونسعى لتحقيق الأفضل، فالواقع العملي والكوادر البشرية الكويتية تتمتع بكل الإمكانات اللازمة لتحقيق ذلك، ولا يتعدى الأمر حاجتنا لبعض الوقت لتحقيق الاكتفاء والإنتاج الذاتي والتعبئة الوطنية أو المحلية، وختاماً فإن قضية فلسطين لا يمكن لها أن تنبني على الأهواء والآراء الشخصية فهي قضية مبدأ وعقيدة تم تقنينها منذ أكثر من نصف قرن.

back to top