خطة التنمية الرابعة... حفلة علاقات عامة لا مشروع دولة!

• كيف لـ «أمانة التخطيط» أن تستكمل خطة اعترفت الحكومة بفشل رؤيتها؟
• لا قيمة لاستراتيجية تستهدف «الاقتصاد المعرفي» وتتناسى الاختلالات المالية العميقة

نشر في 07-12-2023
آخر تحديث 06-12-2023 | 19:13
محمد البغلي
محمد البغلي

لا يمكن فهم إعلان الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية إعدادها ما يسمى بالخطة الإنمائية الرابعة 2025-2030 وسط اعتراف الحكومة، ممثلة بوزير الدولة للشؤون الاقتصادية، بفشل المشروع الأكبر لها «رؤية 2035» وتمديدها إلى 2040 إن كان تناقضاً صارخاً في السياسات الحكومية أم استهانة في فهم هذه السياسات لدى مكونات الجهاز التنفيذي؟!

فعلى الرغم من الفشل المتلاحق لخطط التنمية الثلاث منذ عام 2009 بكل ما شهدته من ضمور وتراجع في مستهدفاتها في الخطة الأولى من جهة استهداف تحقيق إصلاحات اقتصادية والتحول إلى مركز تجاري ومالي، إلى الخطة الثانية، التي قلصت أهدافها نحو تنفيذ عدد من المشاريع الإنشائية الكبرى وتطوير القطاع العام، مروراً بخطة التنمية الثالثة، التي اكتفت أهدافها بتحديد برامج التحول الرقمي في أجهزة الحكومة، وتغيير دور الدولة في الخدمات العامة من التشغيل إلى التنظيم أي الخصخصة، فإن خطة التنمية الرابعة حسب إعلان «الأمانة العامة للتخطيط» جاءت تحت شعار هو الأدنى طموحاً من سابقيه، وأكثر عمومية بما يضيع أي مسؤولية محتملة حال حدوث الفشل المتوقع!

أقل من أولوية

فخطة التنمية الرابعة، حسب التصريحات الرسمية، موجهة «لبناء الاقتصاد المعرفي وتعزيزه لارتباطه بالذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة وتحولاتها في العالم»، وهذه مهمة بغض النظر عن مدى واقعيتها أو أهميتها فإنها أقل من أن تكون أولوية لدولة تعاني منذ عقود اختلالات هيكيلة عميقة تتعلق بالمالية العامة وتعاظم الارتهان للنفط وتركّز سوق العمل في القطاع العام ومحدودية القطاع الخاص، ناهيك عن بلوغ المصروفات العامة مستويات قياسية بالتوازي مع تدهور خدمات التعليم والإسكان والطرق وصعوبة ضبط التضخم وتعاظم تحديات توفير الطاقة وتزايد مخاطر الأمن الغذائي، بالتالي فإنه ليس من الحكمة إطلاق مستهدفات عمومية تصلح لحفلات العلاقات العامة لا مشروع دولة حقيقي.

غير واقعي

بل إن اختيار الاقتصاد المعرفي والذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة كمستهدف لخطة تنمية خمسية يبدو بعيداً عن واقع حال رأس المال البشري في البلاد، فالكويت اعتادت الحصول على ترتيب في فلك الـ 100 بين دول العالم والأخيرة خليجياً في مؤشرات جودة التعليم وجامعة الكويت الحكومية في مستوى 851 إلى 900 على مؤشرات تقييم كفاءة الجامعات في العالم، أما الجامعات الخاصة فأوضاعها ليست أحسن حالاً من نظيرتها الحكومية، والإنفاق على البحث العلمي لا يكاد يصل إلى 10 في المئة من المستهدف في مشاريع الحكومة وخطط التنمية، وبعيداً عن كل هذه المؤشرات علينا أن نعترف بأن عملية بدء العام الدراسي في مواعيده الطبيعية مطلع سبتمبر من كل عام بات هدفاً بعيد المنال لمن يعرف أهمية التعليم، بالتالي فإن الحديث عن الاقتصاد المعرفي والذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية كخطة لدولة مثل الكويت هو أمر غير واقعي ويستوجب التدخل لتصحيح الوضع.

معالجة الأسباب

فكان من الأَولى وقبل الإعلان عن أي خطة تنمية جديدة أن تبادر الأمانة العامة للتخطيط ببيان أسباب فشل خطط التنمية السابقة، ومعها فشل رؤية 2035 لا أن يتم الإعلان عن خطة جديدة بغض النظر عن جدية محتواها، لكنها تحمل مختلف أسباب فشل سابقاتها، فلا يمكن الرهان على أي نجاح لخطة تنموية مستقبلية دون معالجة الأسباب المتكررة للفشل وسط غياب مؤشرات قياس حقيقية للأداء، بحيث تكون «أمانة التخطيط» جهة مهمتها أعمق من مجرد تجميع البيانات من الجهات الحكومية، بل تمحيصها ونقدها وتقويم انحرافاتها وإعداد التقارير الفصلية والسنوية التي تبين مواطن الخلل والإخفاق.

تعريف الإنجاز

بل وأيضاً إعادة تعريف «نسبة إنجاز» في إتمام أي مشروع من حيث مدى تحقيقه للأهداف الاقتصادية وليس مجرد ما تم إنفاقه مالياً أو تشييده معمارياً.

فأي خطة تنمية يفترض أن ترتبط بتقديم بيان فصلي وسنوي يتضمن ما تم إنجازه، ومقارنة المنجز بما تم التعهد به لاستعراض الخطوات أو المعوقات خلال الفترة محل الإفصاح، مع بيان التكاليف المالية، ومعرفة أوجه النجاح أو الانحراف في تنفيذ أي مشروع، فضلاً عن ربط الرؤية بأهداف الميزانية العامة من حيث خفض المصروفات وتنويع الدخل وخلق الوظائف، إضافة إلى تحسين الخدمات، فلا معنى من الحديث مثلاً عن بناء مشاريع وسط تضخم الإنفاق في غير مصلحة الميزانية السنوية.

كذلك يجب ربط أهداف الرؤية مع المؤشرات العالمية كمؤشرات التنافسية الدولية، خصوصاً فيما يتعلق بتطوير بيئة الأعمال وجودة التعليم وكفاءة سوق العمل والحرية الاقتصادية وغيرها من المؤشرات، بالتالي فإن العمل على تحسين أداء هذه المؤشرات سيحدث نتيجة طيبة لأداء الخطة ويكون رهاناً على نجاحها.

تقويم ورؤية

كما يجب عدم إغفال أن جانباً أساسياً مما نحتاجه لتقويم خطط التنمية يجب أن يرتكز على وجود إرادة ورؤية واضحتين من إدارة البلاد العامة، أي مجلس الوزراء، بالدرجة الأولى ثم مجلس الأمة، وإلا دفعت البلاد ثمن الفشل المتكرر لسنوات قادمة كتلك السابقة التي اضمحلت فيها مشاريع استراتيجية كتحويل الكويت إلى مركز تجاري ومالي ومشاريع الحرير - الجزر، إلى مجرد جُمل في خطابات حكومية بلا رغبة أو رؤية أو إرادة للتنفيذ.

فليس جديداً القول، إن خطط التنمية الثلاث السابقة لم تكن أكثر من وعود أو حتى إبر «بنج» لتجاوز سنوات من الإخفاق الاقتصادي والتنموي وانحراف سياسات الإدارة المالية وتضخم الإدارة الحكومية وعدم اتساق الإنفاق المالي المتضخم مع العوائد الاقتصادية أو التنموية أو الخدمية.

تناقض واستهانة

من المهم التنبه إلى أن الإعلان عن إطلاق خطة تنمية رابعة دون معالجة جذرية لمسببات فشل خطط التنمية السابقة ما هو إلا تناقض واستهانة ليس فقط في الحكومة التي أعلنت رسمياً فشل الرؤية إنما أيضاً عدم مبالاة في أهمية وجود خطة تنمية واستخدامها كأداة للعلاقات العامة والتسويق بدلاً من أن تكون مشروع لدولة عانت الكثير بسبب تخبط سياساتها وغياب رؤيتها.

back to top