قلب الكويت ينبض بالتعايش والتسامح الديني

تلامُس جدران المساجد مع دور العبادة يجسد الوحدة الوطنية

نشر في 17-11-2022
آخر تحديث 16-11-2022 | 20:28
الحسينية الجديدة
الحسينية الجديدة
للتاريخ في قلب الكويت العاصمة عبق خاص يلفّه وشاح طرزته أيام وسنوات وعقود من التآخي والمحبة ورسوخ الوحدة الوطنية لأهل الكويت، فقُرب المسافات بين دور العبادة والمساجد وتلامس جدرانها في هذه البقعة الصغيرة بمساحتها الجغرافية، ما هو إلا انعكاس لتاريخ عريق من التعايش والتسامح.

فالزائر للكويت لا يمكن أن يغفل، وهو يمرّ بقلب العاصمة، وتحديدا في منطقة شرق - شارع عبدالله الأحمد، عن جمالية التاريخ الراسخ للتعايش والتآخي والتسامح في الكويت متجسدا كله في قرب المسافات بين دور العبادة سواء الإسلامية او المسيحية.

فشارع عبدالله الأحمد يضم أكبر مسجد في الكويت، أي المسجد الكبير، لتقابله أقدم حسينية رسمية في الكويت، وهي حسينية معرفي التي أسست عام 1905، وأيضا ثاني أقدم حسينية، وهي الخزعلية التي أسست عام ١٩١٦، وتم تغيير اسمها إلى «الحسينية الجديدة»، مما يعكس بحق جذور التعايش والتآلف والمحبة المتأصلة التي جُبل عليها أهل الكويت وحكامها.

وعلى بضعة أمتار من الحسينية الجديدة (الخزعلية سابقا)، نسبة إلى الشيخ خزعل بن مرداو الكعبي، حاكم المحمرة آنذاك، يقع مسجد النومان الذي تم بناؤه عام 1807 وتم تجديده عام 1955، ويجاوره مسجد المطوع، ليشكّلا بالقرب من مساجد المزيدي والصحاف والقناعي لوحة فنية من الاصطفاف الإسلامي والتآخي والوحدة الوطنية الثابتة في نفوس أهل الكويت منذ القدم.

وعلى بعد كيلومترات، يستطيع الزائر أيضا مشاهدة المباني الضخمة للكنائس الكاثوليكية وبعض الطوائف المسيحية، ليكتمل جمال المشهد والوجه المشرق لتاريخ الكويت في التعايش والتسامح الديني.

«هذولا عيالي»



وتاريخيا، احتوت أسرة الحكم جميع أطياف المجتمع من خلال مشاركتهم في مناسباتهم الدينية... ويبقى خير دليل على هذا التسامح المتأصل في نفوس الكويتيين هو ما قام به الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، (بعد التفجير الإرهابي بمسجد الصادق في 26 يونيو 2015، أثناء قيام المصلين بأداء صلاة الجمعة) عندما زار، يرحمه الله، موقع التفجير بعد دقائق من حدوثه، رغم خطورة الموقف، ومن دون أي ترتيبات أمنية، وقال كلمته الشهيرة «هذولا عيالي»، في لفتة إنسانية أكدت رعايته الأبوية الحقيقية للشعب، وأن الكويتيين سنّة وشيعة هم إخوة وسواسية، لتعكس هذه العبارة العفوية والعميقة على الكويتيين معناها الحقيقي، وعندها تضافرت جهود جميع أبناء الوطن لإخماد نار أي فتنة أريدت لأهل الكويت.

منظومة الحضارة الإسلامية

وفي هذا الصدد، قال استاذ التاريخ في جامعة الكويت، د. عبدالهادي العجمي، لـ «الجريدة» إن الكويت جزء من منظومة الحضارة الإسلامية التي قدّمت نموذجا رائعا في التسامح الديني، حيث كانت الحضارة الإسلامية بمراكزها؛ سواء في بغداد ودمشق أو الفسطاط، تتمتع بتسامح واسع في تعدد الأديان والمذاهب، فالكويت تقع ضمن إطار هذه الحضارة.

وأشار العجمي إلى أنه في الكويت هناك تشكّلات دينية ومذهبية مختلفة تعيش وتعمل في إطار احترام هذه التعددية، مبينا أن للتجارة أثرا مهما في ترسيخ عوامل احترام التعدد الثقافي والمذهبي والديني في البلاد.

وأكد أن الكويت قديما وحاضرا تتمتع بدرجة عالية من التعايش المذهبي والتسامح الديني الذي يضرب به الأمثال، وهو بلا شك جزء أساسي من مكونات الشخصية الكويتية.

الوحدة الوطنية

من جهته، قال أستاذ الشريعة في جامعة الكويت، د. علي الجعفري، لـ «الجريدة» إن الدستور الكويتي قائم على التعايش والتسامح، حيث أكد سواسية الناس أمام القانون، وعدم اعتبار الفوارق الدينية والمذهبية والجنسية في المراقبة والمحاسبة، فضلا عن قانون الوحدة الوطنية المجرّم للعنصرية والطائفية، وكل ما له دور في شقّ تلاحم المجتمع وتعايشه واستقراره.

وأضاف الجعفري أن تعايش الشعب الكويتي يعكس سماحة الإسلام وعنايته بتقوية الروابط الإنسانية، مردفا أن الكويتيين متسامحون بفطرتهم وطيبون بطبيعتهم، وهذا عائد للثقافة الدينية الأصيلة التي كان وما زال يتشرّبها، وهي النابعة من أصول النصوص المقدسة في القرآن والسنّة.

back to top