علّمتني غزّة

نشر في 24-11-2023
آخر تحديث 23-11-2023 | 18:56
 د. محمد عبدالرحمن العقيل

أثبت أهل غزّة أن الشجاعة والكرامة وطلب الشهادة لا تنشأ من بيئة مترفة، أو من بلد يكثر فيه الترف والترفيه، قال النبي، صلى الله عليه وسلم، لما أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن: «إياك والتنعم، فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين».

قد كشفت حرب غزّة طوفان الحقد والبغض المزروع في قلوب الحكومات المعادية الإسلام، وكشفت لنا كيف تتستر الوحشية في قوالب بشرية متحضرة وبِدَلٍ وفساتين أنيقة!

علمتني غزّة أن الغرب لن يراك بعينه شيئاً إلا إذا صنعت غذاءك ولباسك وسلاحك بيدك، ووجّهت بندقيتك عليه... هنا يكون التفاوض والاحترام، علمتني غزّة أنه لا توجد قوانين وعهود ومواثيق دولية، إنما هي مسرحية عالمية.

علمتني غزّة أن الرضوخ للموت البطيء هوان ومذلة، وأن الاستعداد للجهاد في سبيل الدفاع عن العرض والمال والوطن كرامة وعزّة.. علمتني غزّة معنى الصمود مع قوة الإيمان، فقد قدّم أهل غزّة أكبر مشهد للصلابة والشموخ لكل العالم، «وَلا تَهِنوا وَلا تَحزَنوا وَأَنتُمُ الأَعلَونَ»، فأهل غزّة هم أهل العزّة، وأحفاد الصحابة الذين حملوا الراية.. «ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم».. علمتني غزّة كيف أرى هذه الآية عيانا: «وَكَأَيِّن مِن نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيّونَ كَثيرٌ فَما وَهَنوا لِما أَصابَهُم في سَبيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفوا وَمَا استَكانوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصّابِرينَ» هل رأيتم صبراً كصبر أهل غزّة؟! علمتني غزّة أن سلعة الله غالية، ولا تعطى إلا لمن يجتبيهم الله. ألا إن سلعة الله الجنة.

علمتني غزّة بأن الإعلام والأفلام الأميركية ما هي إلا إرهاب فكري للمجتمعات.. وأننا بحاجة إلى جيش من الإعلام المحترف لردع هذه الهجمات الإعلامية، ومخاطبة الشعوب.. حتى وإن كان قرار الحكومات أقوى من تعاطف الشعوب.

علمتني غزّة أن المنتصر هو من يستطيع أن يبتسم تحت وابلٍ من القصف، وأن الهزيمة ليست بكثرة الخسائر، إنما بالاستسلام.

علمتني غزّة العجائب! فلم أتخيل أن أرى النذالة في قمتها، حتى رأيت الأخ مع العدو على ابن عمه وأخيه! يقول الطغرائي: «ما كنتُ أُوثِرُ أن يمتدَّ بي زمني.. حتى أرى دولةَ الأوغادِ والسّفَلِ».

back to top