وزير يصلح مع جهاز يخرب

نشر في 19-11-2023
آخر تحديث 18-11-2023 | 20:03
 حسن العيسى

يُقال إن وزير الإعلام عبدالرحمن المطيري يجتهد ويقوم بدور استثنائي لتطوير عمل هذه الوزارة المترهلة، فهو يعمل لدفع القطاع الخاص للمساهمة في العمل الثقافي بإنشاء مسارح خاصة وتطوير المجلس الوطني للثقافة والآداب، الذي تم تناسيه تماماً، ويعمل كذلك على تشجيع دور النشر والمكتبات، في زمن يتلاشى دورهما لمصلحة الثقافات المسطحة في وسائل التواصل، التي أضحت تقوم بدور التثقيف لجمهور عريض من المتابعين المهووسين بهذا الاكتشاف الرائع لقتل أوقات الفراغ، وخلق عالم وهمي لا يقوم مقام الحقيقة، وكل هذا تسخيف وتسطيح للفكر ولا يُعدّ تثقيفاً.

ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فلعلّ الرياح تجري بما لا تشتهي سفن الوزير، فهو على قمّة جهاز إداري ضخم بآلاف العاملين المسجلين في جدول الرواتب دون عمل يمكن أن يقدموه، حالهم كحال معظم الموظفين في دولة الموظف العام الخائبة، وهناك من يعمل ضد توجهات الوزير في مزيد من الانفتاح الثقافي والفكري، وعدد من هؤلاء العاملين دخلوا الوزارة من أبواب واسطة نواب، وهم عيون هؤلاء النواب في التصيّد للوزير، وهناك من دخل عبر نوافذ المحسوبية لمتنفذين في الدولة، فهم فوق المساءلة الإدارية، وتُكبّل يد الوزير بالتالي عن تقديم أي إصلاحات ضرورية.

يبدو أن هذا الوزير لا يمكنه أن يفعل حتى القليل لإصلاح جهاز الرقابة المتربّع بثقل ضحالته على صدور دور النشر وأصحاب المكتبات، وعدد من موظفيه لم يعُد لهم من عمل غير التنمّر واستعراض سلطة الجهل على أصحاب المكتبات والنشر، فهؤلاء هم الطوفة الهبيطة في بلاد الخواء، ومن صادها عشى عياله، وأخذ أصحاب دور النشر يتداولون في أحاديثهم أن إلغاء الرقابة المسبقة لم يحدث على أرض الواقع، فهي - أي الرقابة المسبقة - خرجت من الباب لتدخل عليهم من الشباك.

هؤلاء الرقباء المتنمرون والمستعرضون لعضلاتهم على أصحاب المكتبات يزعم بعضهم أنهم يقرأون تسعة كتب يومياً لممارسة عملهم!! هل تتخيلون مثل هذا الرقم؟ إذا كان هذا صحيحاً فسيفتح أساتذة «ييل وكمبردج وهارفارد» أفواههم تعجّباً بسبب القدرات السحرية لرقباء الوزارة.

هم لا يقرؤون تلك الكتب، هم يمسحونها «سكانج»، أي يقلبون الصفحات بسرعة باحثين عن كلمة مثل «قبّلها... أو ثدي... إلخ»، ولا يهمّ السياق الكتابي الذي أتت به، ليصرخ عندها الرقيب: وجدتها... وجدتها... إخلال بالآداب العامة... اركضوا وحذّروا أصحاب المكتبة من عرض رواية ماركيز «الحب في زمن الكوليرا»، أو غيرها من روائع الأدب والفكر الإنساني.

ما العمل؟ وكيف لهذا الوزير المجتهد أن يرقع لفطاحل الوزارة؟ لعل حزب البخاصة الحاكم بأمر الله يدري... ولا فائدة من التذكير بأن الشق عود في هذا البلد.

back to top