بمثل هؤلاء الأصدقاء...

نشر في 12-11-2023
آخر تحديث 11-11-2023 | 18:56
 حسن العيسى

«آن الأوان للقادة وعلماء مؤسسات البحث التي كرّست نفسها لتقصي وإحياء ذكرى الهولوكوست (محرقة اليهود في أوروبا على يد النازية) أن يرفعوا أصواتهم عالياً بالتحذير ضد جنون الغضب والانتقام في خطاب الكراهية اللاإنساني ضد سكان غزة الذي يهدف إلى اقتلاع أهلها تماماً. هذا هو الوقت لكي نصرخ عالياً ضد جرائم العنف التي يرتكبها المستوطنون الإسرائيليون بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، تلك الأفعال التي تقترب لتصبح جريمة من جرائم التطهير العرقي».

الفقرة السابقة هي من مقال أومر بارتوف في جريدة نيويورك تايمز، وهو أستاذ تاريخ المحرقة ودراسات جرائم الإبادة الجماعية في جامعة براون العريقة.

انتماء هذا الباحث للديانة اليهودية لم يمنعه من الجهر بالحقيقة المؤلمة لما يحدث في غزة والضفة، فالحياد العلمي الأكاديمي فرض عليه مثل ذلك الموقف الحقّ، ودعا جريدة مثل نيويورك تايمز، التي تميل مثلها مثل معظم وسائل الإعلام الغربية إلى الجانب الإسرائيلي لنشر مقاله البحثي الذي يفرّق بين جرائم الإبادة الجماعية وجرائم التطهير العرقي، استغل أومر واقعة الهولوكوست ليذكّر العالم بأن ما يحدث في غزة مسألة ليست بعيدة الشبه عمّا حدث في الحرب الثانية من جرائم الإبادة لليهود.

وهناك إفي شليم، (أستاذ كرسي في جامعة أكسفورد)، الذي تعقّب ادعاءات الصهيونية منذ بداياتها في القرن التاسع، ثم وعد بلفور وحرب الأيام الستة وحرب أكتوبر، وكان ضابطاً في الجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت، ونفض عن نفسه بعدها رداء الانتماء للفكر الصهيوني، وقدّم الأبحاث في فضح المزاعم الصهيونية عن شعب بلا أرض يلجأ إلى أرض بلا شعب في فلسطين.

وهناك كذلك الأكاديمي والباحث التاريخي، إيلان ببيه، الذي كان أيضاً ضابطاً في الجيش الإسرائيلي في حرب الأيام الستة، والذي انتفض بعدها ضد الصهيونية، وقال الحق ولو على نفسه، ووصمه اليمينيون الإسرائيليون بـ «الخائن»، لبحوثه وكتاباته في تفنيد الادعاءات الصهيونية.

كل هؤلاء وقبلهم هناك صاحب القامة العالية نوام تشومسكي، اليهودي الذي لم يكلّ يوماً في الدفاع عن القضية الفلسطينية منذ خمسينيات القرن الماضي.

كل هؤلاء هم يهود، وهناك الكثيرون غيرهم الذين أملت عليهم حصافتهم الأكاديمية قول الحق، كما يتطلّب الواقع التاريخي والإنساني، بينما نجد عندنا هنا أكاديمي، وهو في أوج مزايدته على مأساة غزة، يساوي تماماً بين اليهودية والصهيونية، ويقول بالحرف الواحد إنه لا يلوم هتلر على حرق اليهود في الحرب الكونية الثانية، ويتفهم الآن موقف الأوروبيين التاريخي في اضطهاد اليهود!

في مثل هذا الزمن الذي يختلط فيه جهل المزايدات الانفعالية وتكريس خطابات الكراهية وتصوير ما يجري الآن من حرب استعمارية تشنّها الصهيونية والإمبريالية على أنها حرب دينية ضد المسلمين، هو استخفاف سطحي بالحقائق وتغييب في المعايير، وللتفرقة بين أرباب الجهل وأكاديميي الحماقة نجد أنفسنا نترحم على رحيل أشخاص مثل إدوارد سعيد وخلدون النقيب وشفيق الغبرا... فبمثل هذا الأكاديمي الصديق للفلسطينيين هم اليوم بلا حاجة إلى أعداء.

back to top