نجمي: الثقافة الإنسانية تدفعنا لكتابة نص منفتح

• تستعد لإصدار رواية عن أنجيلا ميركل... و«تشريح الرغبة» أحدث أعمالها

نشر في 12-11-2023
آخر تحديث 11-11-2023 | 17:30
الأديبة والشاعرة المغربية ريم نجمي
الأديبة والشاعرة المغربية ريم نجمي
تكتب الأديبة والشاعرة المغربية ريم نجمي بيد لبناء عالمها الأدبي، وتبني عالمها الواقعي باليد الأخرى، حيث تعيش في ألمانيا، وتمتهن العمل الصحافي والإعلامي، فهي نموذج للنساء المبدعات في العالم العربي. تناضل من أجل إثبات جدارتها وتكريس مكانتها الأدبية، رغم أنها تربّت في ظلال قامتين من الشعراء؛ فالوالد هو الشاعر والروائي حسن نجمي، والأم هي الشاعرة والروائية عائشة بصري. كما أنها رغم غربتها تعيش قضايا وطنها وقضية العرب فلسطين، فهي تحلم بانتهاء الحرب في غزة وزوال الاحتلال الإسرائيلي. صدر لنجمي العديد من الأعمال، منها: «أزرق سماوي»، و«كأن قلبي يوم أحد»، و«كن بريئاً كذئب»، وأحدثها رواية «تشريح الرغبة». التقتها «الجريدة»، وكان الحوار التالي:

• خمسة عشر عاماً عُمر وجودكم في ألمانيا، بالحديث عن الدروس المكتسبة، والآفاق التي فتحت أمامكم، ماذا تقولين؟

- تجربتي في ألمانيا غنية جداً، سواء تجربة البدايات، كطالبة، ثم كصحافية، وبعد ذلك كأم، في مجتمع مختلف عن مجتمعي المغربي. من هنا، عايشت تجارب مغايرة وجديدة بالنسبة لي، أعتقد أنها تستحق الكتابة.

إن تجربة الاغتراب نفسها اختبار لنفسية الإنسان، إذ تخلق صراعات داخلية تصل أحياناً إلى أزمة في الهوية، هذا إلى جانب نماذج إنسانية نلتقي بها في مجتمعات الهجرة جديرة بالتأمل، مثلاً: ازدواجية الرجل العربي في التعامل مع المرأة الأوروبية والمرأة العربية، وكذا ازدواجية بعض الأوروبيين في التعامل مع العرب، وهو تعامل قائم على نظرة استشراقية... قضايا كثيرة خلقت بداخلي قلقاً وجد طريقه إلى الورقة، ليتحوَّل إلى نصوص.

«كأن قلبي يوم أحد»

• يسكنك الإحساس بالحرية والاعتراف بالامتنان إلى التواجد الألماني في أعمالك، وظهر ذلك في ثاني تجاربك الشعرية (كأن قلبي يوم أحد)، إهداء إلى صيف ألمانيا 2008؟

- ألمانيا بغناها الثقافي والفلسفي والتاريخي لها تأثير أساسي على كتاباتي، فالحرية التي أشعر بها كامرأة في الشارع العام انعكست على نصوصي، وكذلك سقف الحرية العالي في السينما والنصوص الأدبية الألمانية الحديثة، فأصبحتُ أكثر حرية في التعبير عن نفسي. كما أن إقامتي بألمانيا خلقت لدي أسئلة كثيرة؛ كسؤال الهوية، وسؤال المكان، ومعنى الوطن. تلك الأسئلة حاولت أن أطرحها من خلال الكتابة. وقد عايشت تجارب مغايرة وجديدة في ألمانيا أعتقد أنها تستحق الكتابة.

• يقول أندريه مورو، إن «الأدب بمجموعه متخيل»، ما دور الخيال والفانتازيا في كتاباتك؟

- أعتقد أن الكتابة الإبداعية قائمة على المتخيل، حتى عندما تكون لها جذور في الواقع. بل حتى كتابة السير الذاتية فيها قدر من المتخيل، ليكون النص إبداعياً جميلاً. رغم ذلك أؤمن بأنه لابد للكاتب من التجربة. لا أذكر الآن اسم الشاعر الأميركي الذي قال إن «التجربة مهمة للكاتب، ولو كانت تقشير الجزر، لأن هذه العملية البسيطة تعطيك استعارات وتشبيهات». حتى الخيال يحتاج إلى مصادر لإغنائه وتوسيعه، سواء السفر، أو مشاهدة الأفلام، أو القراءة.

ازدواجية الأوروبيين مع العرب قائمة على نظرة استشراقية

• عشت طفولة سعيدة وسط قامتين من الشعراء؛ فالوالد الشاعر والروائي حسن نجمي، والأم الشاعرة والروائية عائشة بصري، كيف أسهمت هذه الأجواء في صقل موهبتك الشعرية؟

- كطفلة، كنت دائماً، وما زلت، أنظر إلى أبي بكثير من الإعجاب، وعندما أتأمل مساري المهني والإبداعي اليوم أجدني أقتفي خطوات أبي بشكل أو بآخر. فقد امتهنت مهنته كصحافي، واخترتُ -أو اختارتني- الكتابة الأدبية. عشت طفولتي ملتصقة بوالدي، وكنت أرافقه باستمرار إلى الندوات والفعاليات الثقافية، وهذا ساهم بالتأكيد في تشكيل وعيي الشعري والأدبي، كما أن النقاش الثقافي لم يكن غائباً عن بيتنا. كُتاب كبار التقيتهم، وتعلمت منهم، هذا إلى جانب مكتبة والدي الغنية والكبيرة، والتي كنت أقرأ منها بتوجيه منه. هذه العوامل ساهمت في صقل الخيار الإبداعي والمهني كذلك. كثيراً ما أطرح على نفسي السؤال: هل كنت سأصير شاعرة أو كاتبة لو لم أنشأ في هذا البيت؟ ربما نعم، لكن لا أعتقد أني كنت سأكتب نصوصي بالشكل الذي أكتبه اليوم. حتى فعل الكتابة بدأ كتقليد لما يفعله والدي، في حوالي الخامسة من عُمري كنت أُملي عليه قصائدي الطفولية وهو يدوِّنها، قصائد لم تكن تقتصر على عالم الطفولة فقط، لكن كنت متأثرة بالجو السياسي والنضالي في بيتنا، فكتبت قصائد عن النضال والقضايا العربية. وبعد أن تعلمت الكتابة، رافقتني كهواية، سواء أكانت الكتابة سردية أو شعرية. اختارت الطفلة التي كنتها أن تقضي أوقات فراغها في التدوين على الأوراق بدل اللعب. والآن ورغم الغربة أعيش قضايا وطني وقضية العرب فلسطين، وأحلم بانتهاء الحرب في غزة وزوال الاحتلال الإسرائيلي.

عايشت تجارب مغايرة وجديدة في ألمانيا تستحق الكتابة

• أحدث أعمالك رواية «تشريح الرغبة»، تنتمي إلى ما يُعرف بالأدب النسوي، نود إلقاء الضوء على أهم ما تتضمنه من أثر سردي؟

- أولاً، الرواية كُتبت في قالب رسائل متبادلة بين الشخصيات. صورت الرواية الألم الذي من الممكن أن يحدثه الانفصال في علاقة حُب، خصوصاً بعد فترة زمنية طويلة. مشاعر متضاربة في لحظة واحدة بين الكراهية والحُب أحياناً، والاشتياق أحياناً أخرى، ثم الشعور بالخذلان، فمحاولات عقلانية بتفهم موقف الآخر، ومحاولات المُضي قُدماً في الحياة، ثم السقوط في فخ الذكريات والشعور بالشفقة على الذات. إنه خلاط من المشاعر، إن صح التعبير، كان مغرياً لي ككاتبة تقدم رؤيتها الخاصة عن الحُب والعلاقات، وتحفر في نفسية شخصياتها.

تعالج الرواية كذلك عدة مواضيع متعلقة بالاختلاف الثقافي والديني، وأسئلة الهوية، ومعنى الوطن، وأثر الهجرة على المجتمع الألماني، ذلك كُله من خلال قصة انفصال زوجين مغربي وألمانية، يُشرِّحان حياتهما ومواقع الفشل في علاقتهما.


غلاف رواية «تشريح الرغبة» غلاف رواية «تشريح الرغبة»

روافد مغربية

• بنت المغرب العربي، بالبحث عن التراث المغربي بين عوالمك، أين نجده فيما قدمت؟

- أولاً، ينبغي القول إني آتية من ثقافة مغربية متعددة الروافد: العربية والأمازيغية والأندلسية، الأطلسي والمتوسطي. الحكايات الشعبية المغربية توجد في مكان ما من ذاكرتي، وشكَّلت القطعة الأولى من صورة عن الحكي والخيال. فأنا ابنة هذه الثقافة السردية الشعبية المغربية، والتي تتقاطع مع القصص الشعبية بالعالم العربي، وفي باقي دول العالم.

أعترف أن عوالمي الشعرية والسردية بعيدة عن التراث المغربي، لكن ستجد ملامح من الأغنية المغربية والتقاليد المغربية في رواية «تشريح الرغبة»، من خلال شخصية البطل عادل، الذي هو كاتب مغربي وُلد وتربَّى في حي شعبي بالدار البيضاء. ستجد نصاً كاملاً عن مدينة مراكش، وروائحها، وعالمها الغرائبي، والذي كان محركاً أساسياً في رغبة البطلة في الارتباط برجل مغربي يمثل لها هذا العالم الشعبي الغني والساحر.

أحلم بوقف الحرب في غزة وزوال الاحتلال

• وأنتم في معترك الحياة الثقافية، بمختلف أطيافها، هل نستطيع بلورة رؤيتك لأهم القضايا التي تفرض نفسها على الساحة، وأثارت الزوابع ولاتزال؟

- ينبغي أن ندرك أن الثقافة تكاد تكون هي الحياة. عندما نطبخ ونأكل ونلبس فنحن نمارس الفعل الثقافي. يخطئ من يُسيّج الثقافة في الكتابة، فالثقافة بمعناها الأنثروبولوجي شاسع جداً. الثقافة فيها تيارات ومدارس، ولديها تاريخ وخصوصيات، كل هذه الأشياء ينبغي، من وجهة نظري، أن نتعامل معها بوعي نقدي، حتى لا نعيش الثقافة لحسابنا الخاص، بل نعيشها مع الآخر، أن يكون لنا الوعي النقدي تجاه الأنساق الثقافية التي نعيشها، هذا الوعي يحمينا من أن نخطئ ثقافياً، كأن نتمركز على الذات، وأن نتعامل مع هويتنا بانغلاق، فالهوية ينبغي أن تكون مفتوحة، مثل كرة الثلج، كلما تدحرجت كبرت واتسعت. الهوية المغلقة هي التي تقودنا إلى وطنية منغلقة. على سبيل المثال، نموذج المنتخب المغربي وإنجازه في قطر، كيف تحوَّلت الكرة إلى فعل ثقافي إنساني منفتح، وقدَّمت اللعبة روحاً منفتحة على العالم وعلى الثقافات الإنسانية. نجاح المنتخب المغربي أظهر أن هذا المنتخب ليس للمغاربة وحدهم، ففي لحظة واحدة صارت الشوارع بدول الخليج، وفلسطين، ومصر، والجزائر وغيرها من الدول، شارعاً واحداً للاحتفاء بفريق واحد. أعتقد أن الثقافة الإنسانية بروحها الحضارية المنفتحة تجعلنا نكتب نصاً منفتحاً وإنسانياً.

• ما مشاريعك المستقبلية في حقل الكتابة والتأليف؟

- أنهيت رواية جديدة اشتغلت فيها على شخصية المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ولدي نصوص تحتاج إلى المراجعة وإعادة الكتابة، لكن يشغلني مشروع بدأت فيه يتعلق بالكتابة عن تجربة الأمومة.

back to top