هل تكبح الهند أسوأ تحركات بوتين في أوكرانيا؟

نشر في 15-11-2022
آخر تحديث 14-11-2022 | 21:25
 ذي دبلومات قبيل زيارة وزير الخارجية الهندي، سوبرامانيام جايشانكار، إلى موسكو في الأسبوع الماضي، واجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تقلبات بارزة في أوكرانيا.

وفي أواخر الشهر الماضي، اتّهم بوتين أوكرانيا بمهاجمة أسطول بحري روسي، وعلّق اتفاقاً كان يسمح بمرور الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، لكن بعد مرور أربعة أيام، سحب بوتين ذلك التهديد وأعلن أن الاتفاق أصبح ساري المفعول مجدداً.

ادعى بوتين أنه تلقى تطمينات من أوكرانيا حول امتناعها عن استعمال ممر الحبوب لمهاجمة القوات الروسية، لكن يذكر المؤرخ العسكري ماكس بوت، في مقالة استفزازية وعميقة في «واشنطن بوست»، أن تغيّر موقفه قد ينجم عن جهود دبلوماسية بذلتها أطراف غير متوقعة: «يبدو أن بوتين تعرّض للضغوط من تركيا وبلدان نامية أخرى تتكل على الحبوب الأوكرانية لإطعام شعوبها. لم يشأ بوتين أن يواجه تداعيات إغراق سفن شحن تحمل الحبوب التي تطعم أفقر شعوب العالم».

يشير بوت إلى احتمال كبح أسوأ انفعالات بوتين (تجويع ملايين الناس حتى الموت أو استعمال الأسلحة النووية) بفضل علاقات روسيا الناشئة مع بلدان مثل الهند، والصين، وتركيا.

حتى الآن، حافظت الهند على حيادها واتزانها في تعاملها مع وفرة التقارير المرتبطة بجرائم الحرب الروسية في أوكرانيا، بما في ذلك المجزرة المرتكبة في «بوتشا» في وقتٍ سابق من هذه السنة، لكن مع مرور كل شهر جديد، تزيد الضغوط في الاتجاهَين على ما يبدو.



قبل الغزو، كانت روسيا شريكة عسكرية أساسية لنيودلهي، وهي تُعتبر اليوم شريكة اقتصادية مهمة للبلد ويصبّ اختلال التوازن التجاري البارز في مصلحتها، وتفيد التقارير بأن التجارة الثنائية زادت بنسبة 310% منذ بدء الغزو، وهي أكبر زيادة يسجّلها أي شريك تجاري لروسيا، لكن تراجعت في المقابل صادرات الهند إلى روسيا بنسبة 19%، في حسين زادت الواردات بنسبة 430%، والأهم من ذلك هو أن روسيا تشكّل اليوم 23% من واردات النفط الهندية، بعدما كانت هذه النسبة تقتصر على 2% قبل الغزو.

تزامناً مع فرض عقوبات مالية صارمة على موسكو خلال هذه السنة، أصبحت روسيا أول بلد يطلق عمليات تجارية بعملة الروبية مع الهند عبر حساب خاص من نوع «فوسترو»، حتى أنها تسجّل راهناً أكبر عجز في الميزان التجاري مع الهند (أكثر من 20 مليار دولار)، بعد الصين فقط.

من وجهة نظر نيودلهي، لا يمكن الاستخفاف بهذه العوامل الاقتصادية، بغض النظر عما يفعله بوتين في أوكرانيا، ففي الشهر الماضي، خفّض صندوق النقد الدولي مستوى النمو الاقتصادي المتوقع في الهند لهذه السنة والعام المقبل، ونَسَب هذا القرار إلى «ضعف الطلب الخارجي وتشديد الشروط النقدية والمالية»، وفي غضون ذلك، تحمل أجزاء واسعة من الاقتصاد الهندي مؤشرات على ضعف الطلب المحلي وتراجع الثقة بالبلد بعد أزمة كورونا.

اتّضحت هذه العوامل في موسكو خلال زيارة جايشانكار في الأسبوع الماضي، فقد اصطحب وزير الخارجية الهندي معه وفداً كبيراً خلال رحلته، وهو يتألف من مسؤولين عن جميع القطاعات، بدءاً من الزراعة، والبترول، والموانئ، وصولاً إلى المواد الكيماوية، والأسمدة، والوضع المالي.

عندما سُئِل جايشانكار عن استمرار استيراد النفط من روسيا إلى الهند، اعترف صراحةً بأن نيودلهي لا تملك تأثيراً قوياً في هذا المجال: «بما أننا ثالث أكبر بلد مُستهلِك للنفط والغاز في العالم، فمن واجبنا أن نحرص على تسهيل وصول المستهلكين الهنود إلى الأسواق الدولية بأفضل شروط ممكنة».

طوال أشهر، كان المحللون في أنحاء الغرب يتمنون أن تؤدي الهند دور الوساطة في أوكرانيا، أو تستعمل علاقتها مع بوتين على الأقل لكبح تحركاته الجامحة، لكن مع استمرار عملية الغزو، لم تعد الطريقة التي تسمح لنيودلهي بالاضطلاع بهذا الدور واضحة.

* محمد زيشان

back to top