أدب المقاومة الفلسطيني

نشر في 29-10-2023
آخر تحديث 28-10-2023 | 21:14
 د. مي النقيب

محمود درويش، غسان كنفاني، فواز تركي، إدوارد سعيد، سميح القاسم، فدوى طوقان، ياسمين زهران، إميل حبيبي، إلياس صنبر، سلوى سالم، عاطف أبو سيف، سالم تماري، سلمى جيوسي، خالد جمعة، سلمى دباغ، سوزان أبو الهوى، نعومي شهاب ناي، ديمة شهابي، غادة كرمي، مريد برغوثي، رجا شحادة، سعاد عمري، شفيق الغبرا، سهام أبو غزالة، سلمان أبو ستة، ستيفن سلايطة، جوزيف مسعد، ساري مقدسي، وليد خالدي، رشيد خالدي.

هذه قائمة قصيرة من الكتاب الفلسطينيين- من شعراء وروائيين وكتّاب مذكرات وباحثين وأكاديميين في كل الحقول- والذين تصادف وجودهم على ثلاثة من أرفف مكتبتي والمخصصة للكتابة الفلسطينية، ويحتل إدوارد سعيد بمفرده أحد هذه الأرفف بأكمله.

تنتشر العديد من الكتب لكتاب فلسطينيين آخرين في أرفف أخرى من مكتبتي، بعيداً عن هذه الأرفف الثلاثة، انعكاساً، حضرتني الفكرة فجأة، للتشتت القاسي عبر الأرض الذي كان لزاماً على الفلسطينيين تحمله منذ نكبة 1948، إلا أن أرفف مكتبتي وكل مكتبة في العالم ما هي إلا مأوى للكلمات الفلسطينية، إن لم يكن للشعب الفلسطيني.

إن تناثر الكلمات الفلسطينية في الكتب عبر أرفف مكتبات العالم هي ليست حالة شتات الشعب الفلسطيني ذاتها لما بعد النكبة، وفي الواقع تعمل الحالة الأولى للكلمات كأنها قوى مضادة للحالة اللاحقة للشتات من خلال التأكيد على قوة تحمل الفلسطينيين والتعبير عنها.

في مواجهة فاجعة الأسابيع القليلة الماضية الرهيبة- التطهير العرقي للفلسطينيين من قِبل القوات الإسرائيلية، وجرائم الحرب المخزية المرتكبة بحق المدنيين الفلسطينيين وأطفالهم- يتجمد اللسان في الفم.

يرفض الفم تشكيل الكلمات التي يمكن لها أن تمنطق هذا العنف على الأرض وهذه اللا مبالاة الاستهزائية من القادة العالميين، ينغرس هذا الاستبداد الأحمق كالعظمة في الحلق، إلا أن هذه الموجة الكبيرة من التأييد الشعبي الآخذ في التنامي حول العالم من أجل حقوق الفلسطينيين، من أجل العدالة المستحقة لهم منذ أمد، هي نتيجة، في جزء منها، لكلمات الفلسطينيين بحد ذاتهم.

لقد تراكمت كلماتهم عبر سبعة عقود وزيادة، أحياناً تُسمع بصوت عال وبإشادة واستحسان عظيمين، وأحايين أكثر يتم تجاهلها، إلا أنها لا تزال موجودة ومستمرة- كلمة بعد كلمة، قصيدة بعد قصيدة، رواية بعد رواية، أنشودة بعد أنشودة، مقالاً بعد مقال، فيلماً بعد فيلم، دراسة بعد دراسة- صنع الفلسطينيون سيلاً من الأعمال الأكاديمية والثقافية، ومن خلال هذه التعابير البليغة، أسسوا لحقهم في الوجود في عالم غافل ينحو لمحوهم وتاريخهم.

يجب على الفلسطينيين، كما يجب على كل البشر، ألا يتحملوا عبء إثبات حقهم في الوجود، إلا أن الفلسطينيين كانوا ولا يزالون مجبرين على المطالبة بهذا الحق الإنساني الأساسي مراراً وتكراراً، تحت التهديد بالإبادة، إن الاستمرار في مواجهة إبادة وجودية جماعية هو تحديداً ما تقدمه الكتابة الفلسطينية.

أولاً وقبل كل شيء، الكتابة الفلسطينية- إذا ما كانت في شكل شعر، أو رواية، أو مقال، أو منشورات تواصل اجتماعي- هي أدب وجود، بواقع وجودها، وعلى الرغم من كل الجهود للقضاء على صوتها، تتحول الكتابة الفلسطينية إلى أدب مقاومة ضد العنف الاستعماري، ضد الوحشية، والظلم، والقمع، إلا أن الكتابة الفلسطينية هي أكثر من مجرد أدب وجود ومقاومة، فالكتابة الفلسطينية تمتلك، وستستمر في تهيئة، ظروف التحول الاجتماعي والسياسي، ففي الفراغ السافر الذي تركه القادة والساسة المهزومون أخلاقياً، انتصر الكتّاب الفلسطينيون، إن الكثير من المفردات النقدية المستخدمة اليوم في سرديات القضاء على الاستعمار والصراع ضد العنصرية العرقية مشتقة من دراسات إدوارد سعيد المتقنة لثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، واليوم على الأرض يقدم نشطاء وسائل التواصل والصحافيون الشجعان من الشباب والشابات الفلسطينيين والفلسطينيات سرديات تصحيحية عن طريق تقاريرهم الواضحة البليغة المرئية والمسموعة- والتي يدفعون من أجلها حيواتهم- حتى مع استمرار أقوى أجهزة الإعلام على وجه الأرض في تحيزها السافر. في نتيجة مباشرة لهذه التقارير، نحن نشهد تحولاً في الرأي العام حول العالم.

وكوني أهتم باللغة أكثر من أي شيء آخر تقريباً، فإنني أتشبث تحديداً بالكلمات الفلسطينية قرب روحي، إنها آخر أثر لإنسانيتنا المتلاشية حثيثاً، إن ما ينبغي على البقية منا أن نسعى إلى تحقيقه هو أن نكون جديرين بالكلمات الفلسطينية، والكتابة الفلسطينية، دون تأخير ودون إخفاق. البديل- كما نشهد بأعيننا- بشع فاحش.

* ترجمة د. ابتهال الخطيب.

back to top