هيمنة نسبية للقوة البحرية الروسية في البحر الأسود

نشر في 15-11-2022
آخر تحديث 14-11-2022 | 21:58
 وور أون ذا روكس تتابع روسيا التخبّط خلال حربها في أوكرانيا، فقد سمح التقدم العسكري الذي أحرزته كييف لأوكرانيا باسترجاع المزيد من أراضيها، مما يبرر استمرار الجهود الغربية الرامية إلى تسليم معدات عسكرية وأسلحة إلى كييف لكبح التقدم الروسي ومساعدة القوات الأوكرانية على استرجاع الأراضي التي ضمّتها روسيا حديثاً، ورداً على هذه التطورات، أعلنت روسيا التعبئة وضمّت رسمياً أربع مناطق تعهّد الرئيس فلاديمير بوتين بالدفاع عنها بجميع الوسائل الممكنة.

يصعب أن يتوقع أحد طريقة انتهاء الحرب، لكن يمكن تخمين ما ستفعله روسيا للتكيّف مع المستجدات، بعيداً عن التهديد بتصعيد الوضع، حيث يتعلق أحد مجالات التحرك بالقوات البحرية الروسية في البحر الأسود وبحر آزوف، حيث تحتفظ موسكو بتفوّق واضح رغم الاعتداءات الأوكرانية الناجحة.

قد يسمح هذا التفوق لروسيا بتطبيق استراتيجية مستهدفة، حيث تنشط البحرية الروسية من مناطق ساحلية آمنة نسبياً وبعيدة عن الهجوم الخارجي، وتستعمل تلك المساحات لإطلاق اعتداءات طويلة المدى ضد البنية التحتية الأساسية في أوكرانيا، وإذا نجح الأوكرانيون في إرجاع قوات الاحتلال الروسي إلى مساحة أبعد من أقاليم «خيرسون» و«زابوريزهزهيا» و«دونيتسك»، فقد تكثّف موسكو استعمالها للبحر الأسود كمنطقة استراتيجية عازلة لحماية شبه جزيرة القرم، لكن قد تبقى روسيا قادرة على قصف أهداف معينة في أوكرانيا وتتابع محاصرتها رغم انتكاساتها الأخيرة.

لا تزال روسيا تستفيد من هيمنة عسكرية نسبية في البحر الأسود، رغم الهجوم الذي استهدف أسطول البحر الأسود الروسي في شبه جزيرة القرم عبر خليط من الطائرات المسيّرة جواً وبحراً، كذلك، تملك روسيا الوسائل اللازمة لاستعمال الفرقاطات والغواصات لإطلاق اعتداءات بصواريخ «كروز» ضد القوات الأوكرانية والأهداف المدنية، كما فعلت على مر الحرب، وتفتقر أوكرانيا من جهتها إلى القوات البحرية التي تسمح لها بتحدّي البحرية الروسية، فقد غرقت الفرقاطة الرئيسة «هيتمان سهيداشني» في مارس 2022، واضطر البلد للاتكال بشكلٍ أساسي على أسطول صغير يتألف من أربعة أو خمسة مراكب تقوم بالدوريات ويُستعمَل لتنفيذ مهام الحماية والاستطلاع، فهذه السفن تحدّ من قدرة البحرية الأوكرانية على ضرب المعدات البحرية الروسية واستهداف المواقع العسكرية الأساسية في شبه جزيرة القرم.

في ظل احتدام الحرب، يجب أن يعيد الغرب النظر بطريقة دعمه لاستراتيجية أوكرانيا البحرية، حيث يتعلق الهدف النهائي بمساعدة أوكرانيا على تغيير ميزان القوى البحري وكبح التفوق الروسي لترسيخ المكاسب التي حققها البلد براً ومنع روسيا من تقوية معقلها في البحر الأسود واستعماله لاستهداف أوكرانيا، وإعاقة الصادرات البحرية، والحصول على منصة فاعلة لإطلاق عمليات هجومية مستقبلاً.



تملك روسيا الوسائل والمعدات اللازمة لاستعمال قوتها البحرية دعماً لعملياتها الراهنة في أوكرانيا ولإخضاع كييف، حتى لو انتهت الأعمال العدائية، فيجب أن يفكّر الغرب إذاً بكيفية الحفاظ على المواقع المعرّضة لهجوم البحرية الروسية عند التناقش حول أنواع الأسلحة التي تتلقاها القوات الأوكرانية المسلّحة، فقد أثبتت أوكرانيا أعلى درجات البراغماتية والبراعة في ساحة المعركة، واستعملت طائرات مسيّرة وصواريخ مضادة للسفن لصدّ البحرية الروسية، وكان الاعتداء الذي استهدف جسر «كيرتش» مثالاً على التحركات التي يمكن أن تلجأ إليها القوات الأوكرانية، حتى لو كانت تفتقر إلى القدرات البحرية.

كذلك، يجب أن يعيد الغرب النظر بتسليم أسلحة لها تأثير بحري إلى كييف، ويتوقف هذا القرار على قدرة أوكرانيا على صدّ القوات الروسية، فقد تبدأ هذه الخطوة بزيادة تدفق الصواريخ المضادة للسفن، من نوع «هاربون» مثلاً، لكنها قد تعني أيضاً تدريب القوات الأوكرانية المسلّحة على استعمال الطوربيدات الصغيرة المأخوذة من مخزون متوسّع لسفن الدوريات التي يُفترض أن يتلقاها البلد مستقبلاً، واليوم تتكرر الدعوات إلى إرسال المزيد من الطائرات المسيّرة والمقاتلة والدبابات، لكن تبرز الحاجة فعلياً إلى تقييم البُعد البحري لأن سفن الدوريات وحدها لن تتمكن من تغيير التوازن البحري ضد روسيا.

لا يمكن فصل استراتيجية روسيا في البحر الأسود عن أهدافها العسكرية الكبرى، ومن المتوقع أن تُجبِر أي هزيمة كبرى للقوات الروسية في الأراضي الأوكرانية الكرملين على التوجه إلى معقله في البحر الأسود، فيحاول من هناك استعمال قوته البحرية النسبية للحفاظ على وضع عسكري مستقر، أو التورط في صراع مجمّد، أو كسب ما يكفي من الوقت لشن اعتداءات مستقبلية ضد أوكرانيا.

باختصار، لا تزال روسيا تشعر بأنها تتمتع بدرجة من العمق الاستراتيجي في البحر الأسود.

* دانيال فيوت

* «War on the Rocks»

back to top