استراتيجية مؤسسة البترول 2040... غموض وقصور وتناقض!

• مخالِفة لبرنامج عمل الحكومة مع غياب للمعلومات الجوهرية وتساؤلات عن الآثار التشغيلية
• لا يمكن التعامل بجدية مع الاستراتيجية ما لم تبين أسباب فشل سابقاتها أو محاسبة المتسببين في إخفاقها

نشر في 19-10-2023
آخر تحديث 18-10-2023 | 20:09
محمد البغلي
محمد البغلي

لم يعط المؤتمر الذي عقدته مؤسسة البترول الكويتية وشركاتها التابعة، الأسبوع الماضي، لشرح استراتيجيتها حتى عام 2024 واستراتيجية تحوّل الطاقة في عام 2050، تصورات واضحة عن التوجهات المستقبلية للقطاع النفطي الكويتي، الذي يعاني منذ سنوات إخفاقات عديدة أفضت في إحدى أبرز صورها إلى إعادة صياغة الاستراتيجية السابقة للمؤسسة من 2030 إلى 2040 وتعثّر المشاريع الخارجية كمصفاة فيتنام أو مخاوف إفلاس مشروع «البولي بروبيلين» في كندا أو اكتشاف مخالفات في مشروع استثمار حقلي «ألما وغالية» في بحر الشمال، علاوة على تأخّر تشغيل مشروع الوقود البيئي في الكويت أكثر من عامين، وتأجيل القطاع النفطي تحقيق هدفه بزيادة إنتاج النفط إلى 3.65 ملايين برميل يومياً عام 2020 إلى عام 2035.

وعلى الرغم من أن مؤسسة البترول الكويتية لم تنشر استراتيجيتها كاملة، لكنها عقدت مؤتمراً صحافياً الأسبوع الماضي تحدثت فيه عن أبرز محاور الاستراتيجية، التي يمكن وصفها بأنها يكتنفها قدر عالٍ من الغموض التشغيلي والقصور الاقتصادي والمالي، فضلاً عن تناقضها مع التوجهات العامة لبرنامج عمل الحكومة 2023 -2027.

غموض في المعلومات

فمن زاوية الغموض، ثمّة أسئلة بشأن غياب عدد من المعلومات الجوهرية بالقطاع النفطي، فلا يوجد أي ذكر لأهم مشروع استراتيجي في القطاع النفطي عند شرح الاستراتيجية العامة للمؤسسة وشركاتها التابعة، وهو مشروع دمج شركات القطاع النفطي في 4 كيانات رئيسية، الذي بدأ الحديث عنه منذ نحو ست سنوات، وأثره على الاستراتيجيات الخاصة بمعالجة الإخفاقات السابقة وتطوير الأداء وتحديد التطلعات المستقبلية للقطاع، بالتالي فإن غياب أي حديث عن مشروع الدمج، الذي يلغي شركات قائمة وينشئ كيانات جديدة أمرٌ في غاية الغموض وينبئ بتعثر إنجاز هذا المشروع، الذي يفترض أن تكون له آثاره البعيدة على مشاريع وأعمال القطاع النفطي.

ناهيك عن عدم وضوح الآلية التي سيتم من خلالها تفعيل تعاون القطاع النفطي مع القطاع الخاص، سواء كانت من خلال مشاريع خصخصة أو شراكة أو تشغيل أو تمويلات أو عقود ومناقصات، وهل سيتعلق هذا التعاون بالعقود والعمليات الخاصة بالإنتاج أم التكرير أو الاستكشاف خارج الكويت؟ فالعلاقة مع القطاع الخاص في الكويت غالباً «حساسة» وتأخذ أبعاداً سياسية وشعبوية بعضه مستحق والآخر لا، بالتالي فإن الاستراتيجية التي لا توضح أو تحسم آلية التعامل مع القطاع الخاص مبكراً ستكون بمنزلة أزمة قابلة للانفجار في أي وقت.



اللافت على صعيد الغموض في الاستراتيجية هو تجديد إعلان مؤسسة البترول أن الاحتياطيات النفطية في البلاد يبلغ حجمها 100 مليار برميل، وهو نفس التقدير لحجم الاحتياطيات في الكويت بعد تحرير البلاد من الاحتلال العراقي، ونفس الرقم أيضاً الذي أعلن عنه عام 2007 مما يتطلب المزيد من الشرح والتوضيح لحجم الاحتياطات وعدم تناقصها خلال أكثر من 30 عاماً!

أسئلة وآثار

أما القصور في الاستراتيجية فكان مرتبطاً بمجموعة من الأسئلة التي تتعلق بالآثار التشغيلية، ناهيك عن الاقتصادية الخاصة باتجاهات المؤسسة وشركاتها التابعة، ولم يوضحها مؤتمر المؤسسة ككيفية الحصول على التمويل اللازم لمشاريعها التي تقدر قيمتها حسب الاستراتيجية بـ 410 مليارات دولار، وهل ستعمل الاستراتيجية على تقليص الاعتماد على ما يعرف بـ«عقود المقاولين»؟ وتقييم هذه العقود لناحية الكفاءة التشغيلية، ومدى قدرة المؤسسة على خلق المزيد من الفرص الوظيفية للعمالة الوطنية، ناهيك عن بحث مسائل فنية دقيقة ككيفية معالجة تقادم الآبار في الكويت، خصوصاً في حقل برقان وضعف ضخها للنفط الخام، ومناقشة أسباب تضاعف تكاليف الإنتاج آخر 10 سنوات وصولاً إلى 8 دولارات للبرميل بما يشكل3.97 مليارات دينار حسب بيانات الميزانية العامة للدولة، إن كانت بسبب ارتفاع مصروفات المشاريع أم نتيجة لارتفاع تكاليف الرواتب والأجور في المؤسسة وشركاتها.

شللية وحوكمة

بل الاستراتيجية خلت من أي ذكر لآليات تطوير الحوكمة في القطاع النفطي، وهو القطاع الذي شهد خلال السنوات الماضية العديد من مظاهر «الشللية» وصراع القيادات، إلى درجة بات فيها الولاء لقيادي في المؤسسة أو لمتنفذ خارجها أهم بكثير من معايير الكفاءة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن حوكمة القطاع النفطي تتطلب مناقشة ومعالجة مسألة نقص الخبرات الوطنية بسبب (باكيجات) التقاعد المبكر التي أدت إلى تفريغ القطاع من الخبرات والكفاءات.

ناهيك عن أن الاستراتيجية تجاهلت حاجة القطاع النفطي إلى الاستثمار في قطاع الدراسات والأبحاث لفهم تحولات أسواق الطاقة خصوصاً فيما يتعلّق بمستقبل الطلب على النفط، لا سيما مع توجهات شركات الطاقة العالمية مثل «توتال» و«شيفرون» و«بي بي» إلى تنويع خياراتها ما بين الطاقة التقليدية والنفط الأحفوري والطاقة المتجددة كطاقة الرياح والشمس وغيرها، إذ إن هدف تحول الطاقة أو ما يعرف بتحقيق «الحياد الكربوني» في 2050 - وهو هدف عالمي أصلاً - يختلف تماماً عن الاستثمار في أوجه الطاقة المتجددة والخلط بينها غير مفيد لأي استراتيجية، ويتطلب الاثنان دون شك اهتماماً أكبر بمجالي الدراسات والأبحاث لتحقيق الأهداف المرجوة.

تناقض وتنويع

أما تناقض الاستراتيجية النفطية 2040 مع برنامج العمل الحكومي، فيتجلى في أن الأخير يسعى إلى تنويع مصادر الدخل في البلاد من خلال تقليل الاعتماد على الصادرات النفطية خصوصاً النفط الخام، في حين تتجه الاستراتيجية إلى تعظيم الاعتماد على النفط من خلال استثمارات ومشاريع تصل قيمتها إلى 410 مليارات دولار، ناهيك عن زيادة صادرات النفط إلى 3.65 ملايين برميل يومياً في عام 2035 وهو أعلى من هدف البرنامج الحكومي لعام 2027 بـ 500 ألف برميل، مع العلم أن برنامج عمل الحكومة كان أكثر وضوحاً من الاستراتيجية في تحديد متطلبات رفع إنتاج الغاز أو طاقة التكرير الإنتاجية.

أسباب ومحاسبة

في الحقيقة، لا يمكن أخذ استراتيجية مؤسسة البترول حتى عام 2040 على أي محمل للجد، فتعدد إصدار الاستراتيجيات دون بيان أسباب فشل سابقاتها أو محاسبة المتسببين في إخفاقها لا يدعو للتفاؤل بشأن أي استراتيجية جديدة، خصوصاً إذا كانت تحتوي هذا القدر اللافت من الغموض والقصور والتناقض، الذي من المؤسف أن يكون في القطاع، الذي يعتبر العصب الأساسي لاقتصاد البلاد، فإصدار الاستراتيجيات يجب ألا يكون وسيلة لتأجيل المحاسبة أو تجاوز للإخفاقات.

back to top