هل تعي الدولة خطورة تساهلها مع إعلانات الاستثمار المشبوهة؟

• دعوات في الشوارع للتداول بأنشطة غير مرخصة وعالية المخاطر!
• تطويق عمليات الاحتيال المالي يتطلب مهنية عالية في الرقابة والضبط والتنظيم

نشر في 12-10-2023
آخر تحديث 11-10-2023 | 18:45
محمد البغلي
محمد البغلي

عادت إلى الواجهة قضية انتشار الإعلانات المشبوهة في الشوارع داخل الكويت، في مشهد يعكس عدم فهم العديد من المؤسسات التنظيمية لمخاطر ترويج إعلانات غير مرخصة تحتوي على العديد من الشبهات، خصوصاً المتعلقة بالاحتيال المالي.

ففي بداية هذا العام، تمكّن إعلان لإحدى الشركات يدعو المستثمرين لاكتتاب غير مرخص في مشروع رعاية صحية من تجاوز مختلف الجهات التنظيمية في البلاد، قبل أن تنشر «الجريدة» تفاصيل المخالفات والشبهات التي يضجّ بها الإعلان، بناء على قوانين الشركات وهيئة أسواق المال، وإثر ذلك، تحركت الجهات المعنية وبادرت بسحبه وإغلاق مقر الشركة، مع ما يفترض أنه درس لمؤسسات الدولة تجاه أي إعلان يحتوي على معلومات غامضة أو دعوات استثمارية غير مرخصة من شأنها الإضرار بالمتداولين، إلا أن إعلاناً جديداً نشر أيضاً في الشوارع العامة هذا الأسبوع بيّن أن هشاشة المؤسسات التنظيمية في البلاد أعمق من أخذ درس من تجاوز إعلان واحد لرقابتها.

مخاطر عالية

فالإعلان المشبوه الجديد الذي انتشر أخيراً في الشوارع يحتوي على دعوة للتداول في استثمارات تحتوي على «مخاطر عالية» على الأرجح أنها عملات مشفّرة تحت رخصة عالمية وليست محلية، بما يخالف التعميم الوزاري (1) لسنة 2023 الذي يحظر التعامل بالأصول الافتراضية كوسيلة للاستثمار، ويمنع تقديم هذا النوع من الخدمات لأي من العملاء ويحظر إصدار أو منح أي شخص طبيعي أو اعتباري داخل الكويت ترخيصاً لتقديم خدمات الأصول الافتراضية كعمل تجاري لمصلحته أو بالنيابة عن الغير، وقد استمر الإعلان على مدى أسبوع كامل دون تحرّك من معظم الجهات ذات العلاقة.

المطلوب ليس مجرد إزالة إعلان مخالف بل وضع قواعد مهنية تعالج الثغرات التشريعية والإجرائية وتمنع تداول الإعلانات المشبوهة

لا تفاعل

فباستثناء هيئة أسواق المال التي أبلغت مصادرها «الجريدة» أن الترخيص الخارجي لا قيمة له ويشترط لتقديم أي خدمة استثمارية خصوصاً التداول والاكتتاب الحصول على ترخيص محلي واضح قبل القيام بأي عملية تسويق، فإن جهات أخرى معنية بنشر الإعلانات ومراقبة محتواها كوزارات التجارة والإعلام والداخلية وجهاز البلدية، ناهيك عن وحدة التحريات المالية، لم تتفاعل مع الحدث ولا تعاملت مع المخاطر التي يمكن أن تصيب العديد من المتداولين خصوصاً محدودي الثقافة المالية، الذين قد يعتقدون - على غير الحقيقة - أن وجود إعلان في الشارع لشركة ما يعتبر ترخيصاً من الدولة بسلامة أنشطتها وقانونية أعمالها.

النصب العقاري

المؤسف أن سهولة نشر هذه النوعية من الإعلانات غير المرخصة يأتي بعد نحو 10 سنوات من تعرض الآلاف من المواطنين والمقيمين لعمليات نصب عقاري خلفت العديد من التداعيات القانونية والاستثمارية والاجتماعية والأمنية، ويفترض أن تكون مؤسسات الدولة قد كوّنت قواعد مهنية لسد الثغرات الإجرائية ووضع آلية تمنع أي دعوة للاستثمار غير المرخص من الجهات الرقابية حتى في وسائل التواصل الاجتماعي صعبة الضبط والتحكم، فالخوف اليوم أن يفضي تساهل مؤسسات الدولة مع الإعلانات غير المرخصة إلى انتشار ما يعرف بعمليات النصب المالي المعروفة عالمياً باسم «سلسلة بونزي» بكل ما فيها من وعود وهمية لعوائد خيالية ومحدودية الضمانات القانونية للمتداول.

المؤسف أن نشر الإعلانات غير المرخصة يأتي بعد نحو 10 سنوات من تعرض الآلاف لعمليات نصب عقاري

لا شك أن عمليات الاحتيال المالي وعلاقتها بملفات أكثر خطورة كغسل الأموال وتمويل الإرهاب تتطلب في العديد من الدول مهنيّة عالية في الرقابة والضبط والتنظيم، فضلاً عن تعاون وتنسيق من جهات الرقابة والتنظيم، وهذه أمور يبدو أنها غير موجودة أو شبه معدومة الأثر بين الجهات المعنية داخل الكويت، وهو أمر سيفضي عند إهمال تعامل المؤسسات وقصورها في تطويق قضايا النصب المالي إلى الباب على الدولة بمطالبات تعويض غير منطقية في مجملها يتبنّاها متضررون ونواب في مجلس الأمة، كما حدث في قضايا النصب العقاري التي كانت الاقتراحات فيها تتأرجح قيمة تعويضات المتضررين فيها بين مليار وثلاثة مليارات دينار، مما يُدخل مالية الدولة في مواجهة جديدة غالباً خاسرة مع المطالبات الشعبوية وهذه مطالب يمكن تلافيها فقط بتفعيل الرقابة وأوجه التنظيم بين الجهات المعنية في مؤسسات الدولة.

تقصير وإهمال

لا شك أن الدولة مقصرة إلى حد كبير في طرح المنتجات الاستثمارية، لا سيما الاكتتابات العامة مقارنة بسوق الاكتتابات الخليجي رغم وجود نحو 20 شركة على قائمة انتظار الخطط الحكومية الخاصة بتأسيس شركات عامة متوافقة مع خطة التنمية، وهذه كلها ذات قيمة مضافة للاقتصاد في قطاعات تشغيلية وإنتاجية الكهرباء والماء والشبكات الضوئية والمصافي والبتروكيماويات والبريد والتخزين والشحن والنقل والمناطق الاقتصادية والعمالية، فضلاً عن الاستثمار في القطاعات الصحية والترفيهية والاتصالات والتكنولوجيا والبيئة ومعالجة النفايات إلا أن هذا لا يعني أن يمتد الإهمال إلى مستوى السماح بالإعلانات المشبوهة أن تحل محل أوجه الاستثمار المرخص من الدولة.

قواعد مهنية

لسنا في موقف نقيّم فيه مسؤولية الجهة الفلانية أو العلانية في نشر الإعلان أو تدقيقه من عدمه، فالمطلوب ليس مجرد إزالة إعلان مخالف بل وضع قواعد مهنية تعالج الثغرات التشريعية والإجرائية لتمنع تداول الإعلانات المشبوهة واشتراط نشر الترخيص الصادر من الجهات التنظيمية لمعالجة أصل الخلل وتقويض أي عملية مشبوهة تعرّض مدّخرات الأسر والمستثمرين للخطر، فانتشار هذه الإعلانات المشبوهة في الشوارع إشارة إلى سهولة اختراق المؤسسات الرقابية والتنظيمية، وبالتالي الإساءة إلى سمعة الدولة كبيئة استثمارية آمنة وهي أمور تستوجب مراجعتها ومعالجتها على الفور.

back to top