المتاجرة بأراضي «الرعاية السكنية» تعميق للأزمة الإسكانية

• سيولة مضاربية تدخل المناطق الجديدة رغم عدم توافر الكهرباء والخدمات
• مسؤولية الدولة تنظيم السكن الخاص باعتباره أمناً اجتماعياً لا وسيلة للتربح

نشر في 05-10-2023
آخر تحديث 04-10-2023 | 19:45
محمد البغلي
محمد البغلي

دخلت الأزمة الإسكانية في البلاد مرحلة جديدة من التدهور، مع تنامي الحديث عن صفقات بيع لعدد من المساكن في المناطق الجديدة، كالمطلاع، وغرب عبدالله المبارك، بأسعار فلكية، مقارنة بأوضاع مناطق لم تصلها الكهرباء ولا الخدمات، بلغت 300 إلى 400 ألف دينار، مما ينذر بمرحلة تدهور جديدة في القضية الإسكانية تخلق ساحة جديدة للمتاجرة في القطاع السكني بكل ما فيها من سلبيات تتعلق بالمضاربة ورفع الأسعار، ناهيك عن مخاطر تحويل هذه المناطق، التي تضم نحو 35 ألف وحدة سكنية إلى عمارات استثمارية تضغط على البنية التحتية وتشيع مزيداً من الفوضى في القطاع السكني.

تعاطي الدولة مع دخول أموال المضاربين بهذا التساهل والإهمال سيضر الطبقة المتوسطة ويناقض الهدف الأساسي من الرعاية السكنية

وبغض النظر عن مدى دقة ما يسوقه البعض عن هذه الأسعار المعاكسة لمنطق الرعاية السكنية في توفير المسكن الملائم للأسرة الكويتية، بل حتى ما يناقض مسؤولية الدولة في تنظيم السكن الخاص باعتباره أمناً اجتماعياً لا وسيلة للتربح، فإننا أمام موجة جديدة من المضاربة بالعقار السكني تزيد عمق أزمة الطبقة المتوسطة وعجزها عن تملّك «بيت العمر» بعد أن تعرضت مختلف المناطق في الكويت خلال السنوات الماضية إلى مضاربات عنيفة بسيولة استثمارية عالية وجدت في العقار السكني فرصاً لربح أكبر بتكلفة أقل مقارنة بالعقارات الاستثمارية أو التجارية أو الخدمية.

طلبات تصاعدية

ومع توقّع مؤسسة الرعاية السكنية دخول ‏60 ألف طلب إسكاني جديد خلال 10 سنوات وبلوغ ‏عدد الطلبات الإسكانية التي مازالت على قائمة الانتظار الـ 91 ألف طلب بالتوازي مع بطء تنفيذ العديد من المشاريع السكنية كجنوب مدينة سعد العبدالله وجنوب صباح الأحمد وغيرها من المناطق التي لا يتجاوز إجمالي وحداتها السكنية 55 ألف وحدة، ناهيك عن التأخر الحكومي في إصدار اللائحة التنفيذية لقانون المدن الإسكانية، الذي أقره مجلس الأمة قبل نحو 3 أشهر، فإن وضع قيود على المتاجرة في العقار السكني «كمنع البيع لعدد معين من السنوات أو فرض رسوم تصاعدية على الوحدات السكنية، التي تباع لأكثر من مرة خلال فترة زمنية معينة»، خصوصاً تلك الموزعة من مؤسسة الرعاية السكنية على المواطنين، يمكن أن يكبح جانباً من ارتفاع الأسعار، ويقلل من جاذبية دخول الأموال الاستثمارية في السكن الخاص.

الأولوية يفترض أنها لتحقيق استدامة تمويل «الائتمان» وضبط الرهن والمطور العقاريين وتقليص العقبات البيروقراطية أمام شركات المدن الإسكانية

ولعل مجرد التفكير في مسألة كبح المتاجرة بالسكن الخاص يؤجل العمل على رسم سياسات جذرية لمعالجة الأزمة الإسكانية مثل مناقشة مدى قدرة الدولة على توفير آليات وأدوات مختلفة عما تعارف عليه المجتمع خلال العقود الماضية ككيفية استدامة تمويل بنك الائتمان وزيادة إيراداته وإقرار قوانين الرهن العقاري وتوجيه ما يعرف بـ «المطور العقاري» لتلبية الطلب الإسكاني وليس تعميق المضاربة السعرية في السوق ومدى قدرة الدولة على تقليص العقبات البيروقراطية أمام شركات المدن الإسكانية.

عمارات استثمارية

وأيضاً لا ننسى التنسيق مع المصانع المحلية والمستوردين لتوفير احتياجات مواد البناء بأسعار مقبولة ومنافسة، ناهيك عن التحديات المتنامية الخاصة بتوفير الخدمات للمدن الجديدة كالكهرباء والماء في ظل بلوغ انتاج الطاقة مستويات قياسية خلال فصل الصيف في السنوات الماضية بل حتى تغيير الفلسفة الخاصة بالمساكن وأحجامها ومدة استلامها وفقاً لمنتجات تتوافق مع أحجام ورغبات الأسر الكويتية، فإن ما وصل إليه العقار السكني في الفترة الحالية من مضاربات على أراضي «الرعاية السكنية» وتحول المنازل إلى «عمارات استثمارية» هو تعبير عن تدهور غير مسبوق يتطلب العديد من الإجراءات والسياسات للمعالجة.

ندفع اليوم ثمن الإخفاقات المتراكمة خلال السنوات الماضية التي شهدت العديد من المعالجات المنحرفة البعيدة عن أصل المشكلة

إخفاق واعتراف

ولعل من المهم الاعتراف بعد نحو 10 سنوات من وضع الأزمة الإسكانية على رأس أولويات معالجة الخدمات العامة للسلطتين التشريعية والتنفيذية بأننا ندفع اليوم ثمن الإخفاقات المتراكمة خلال السنوات الماضية التي شهدت العديد من المعالجات المنحرفة بل و«السياسية» التي في معظمها تضمنت أوهاماً ارتكزت على معالجات بعيدة عن أصل المشكلة، كترويج مؤسسة الرعاية السكنية أن تخصيص 12 ألف وحدة سنوياً «على الورق» يعتبر إنجازاً بحد ذاته وأن بناء المدن الكبرى هي عملية لا تتجاوز طرح مناقصة ثم التعاقد مع المقاولين، دون النظر لتحديات الخدمات كالكهرباء والماء والتمويل كقروض بنك الائتمان، أو أن إلغاء الرقابة المسبقة سوف يسرّع تنفيذ المشاريع الإسكانية أو أن الدولة تستطيع الاستمرار بمنتجاتها السكنية الجامدة عبر التوزيع الأفقي إلى ما لا نهاية، هذه كلها كانت أوهام مختلفة أفضت إلى وصول القضية الإسكانية الى طريق شبه مسدود، بالتالي فإن تعاطي الدولة مع دخول أموال المضاربين بهذا القدر من التساهل والإهمال سيفضي إلى تعميق أثر الأزمة الإسكانية بشكل يضر مباشرة الطبقة المتوسطة بل يناقض الهدف الأساسي من الرعاية السكنية.

طلب ومعالجة

لا شك أن معالجة أزمة السكن الخاص في الكويت تتطلب توفير العرض مقابل الطلب المتنامي لا سيما مع وجود 60 في المئة من الكويتيين دون سن الـ 24 عاماً بكل ما يصاحب هذه الفئة من ضغط متوقعة مستقبلي ليس على الخدمات الإسكانية فقط إنما حتى على سوق العمل والصحة والطرق وغيرها كثير، إلا أن المعالجات المؤقتة لكبح جماح المضاربة في السكن الخاص كمنع بيع أراضي الرعاية السكنية وفرض رسوم على التعاملات المتكررة سيحدان لو مؤقتاً من فوضى سوق تحول وسط إهمال حكومي من مفهوم «الرعاية السكنية» إلى المضاربة والمتاجرة.

back to top