شراكة مصلحة بين روسيا وأفغانستان

نشر في 13-11-2022
آخر تحديث 12-11-2022 | 19:43
 إيست آسيا فوروم كانت الصفقة المؤقتة التي وقّعت عليها روسيا و«طالبان»، في سبتمبر 2022، أول اتفاق اقتصادي دولي مهم تُبرمه الحركة على الإطلاق، لكن بعيداً عن إعلان تأمين الغاز والنفط والقمح من روسيا إلى أفغانستان، لم تُنشَر تفاصيل الدفع والأسعار علناً، ولم يتّضح ما سيفعله البلدان للتحايل على العقوبات الدولية والتعامل مع إخراجهما من النظام المصرفي العالمي.

يتزامن هذا الاتفاق مع استمرار محادثات تجارية ناشطة بين «طالبان» وجيرانها الإقليميين ومتابعة النقاشات الروسية مع عدد من البلدان غير الغربية حول عقود النفط طويلة الأجل، قد تكون القيمة الاقتصادية للعلاقات التجارية بين أفغانستان وروسيا سيئة، لكن تبقى الالتزامات والشراكات الثنائية المتزايدة ميزة دبلوماسية إيجابية لروسيا و«طالبان»، فهي تثبت للمجتمع الدولي أن البلدَين غير معزولَين. تسعى «طالبان» منذ فترة إلى تنويع شركائها التجاريين وتحسين علاقاتها مع جيرانها الإقليميين، حيث تأثرت الشركات الأفغانية سلباً بالعقوبات الدولية ثم قرار الولايات المتحدة بتجميد أصول البلد،و منذ أغسطس 2021، انكمش الاقتصاد الأفغاني بنسبة تتراوح بين 20 و30%. كانت «طالبان» تتوقع في البداية أن تستفيد من الاستثمارات الصينية، لكن لم تتحقق توقعاتها على أرض الواقع، فقد ترددت بكين في تكثيف استثماراتها ولطالما شكّكت بالتزام «طالبان» بقطع علاقاتها مع الحزب الإسلامي التركستاني.

كانت روسيا الخيار الطبيعي لـ «طالبان» لأنها شريكة تجارية للبلد أصلاً وهي غنية بموارد الطاقة، وحافظت الحركة على موقف حيادي من الصراع القائم بين روسيا وأوكرانيا ودعت الطرفَين رسمياً إلى ضبط النفس، لكن رغم إبرام الاتفاق التجاري المؤقت، يبدو أن الكرملين لن يعترف رسمياً بـ «طالبان»، ويتّضح ذلك بشكلٍ أساسي في إقصاء الحركة من قمة منظمة شنغهاي للتعاون، في سبتمبر 2022، في سمرقند، أوزبكستان، ولا أحد يعرف بعد إذا كانت أفغانستان ستحتفظ بصفة المراقب في تلك المنظمة، بما أن المجتمع الدولي لم يعترف بحركة «طالبان» كحكومة شرعية لأفغانستان.

بالإضافة إلى إصدار بيانات حول دعم الاقتصاد الأفغاني، أكدت النقاشات التي شهدتها القمة انشغال المنطقة في المقام الأول بتحديد أفضل الطرق لحماية نفسها من وصول أعمال العنف إليها من أفغانستان، وعبّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مراراً عن قلقه من إقدام المسلحين على التدفق إلى الدول المجاورة على شكل لاجئين من أفغانستان وتخطيطهم لأعمال إرهابية، وتفيد التقارير بأن تنظيم «داعش» كثّف حملته الدعائية المعادية لموسكو، فاعتبر روسيا «حكومة صليبية» و«عدوة الإسلام»، وشجّع مناصريه على إلحاق الضرر بالبلد.



يؤكد التفجير الانتحاري في السفارة الروسية في كابول، في 5 سبتمبر الماضي حقيقة المخاوف الروسية من توسّع «الدولة الإسلامية في ولاية خراسان» داخل أفغانستان، إذ كان ذلك الهجوم أول اعتداء يستهدف سفارة أجنبية منذ عودة «طالبان» إلى كابول في أغسطس 2021.

بالإضافة إلى إضعاف شرعية روسيا، يتحدى «داعش» وتنظيم «الدولة الإسلامية في ولاية خراسان» حُكم «طالبان» داخل أفغانستان أيضاً، ومنذ عام 2014، يتقاسم الكرملين و«طالبان» رأياً مشتركاً حول التهديدات الكبرى التي يطرحها «داعش». اعترف المسؤولون الروس علناً بتبادل المعلومات مع «طالبان» بشأن التنظيم، ونُشِرت تقارير أخرى عن انضمام مقاتلين سابقين من «طالبان» ومن آسيا الوسطى إلى صفوف «داعش»، فزادت مخاطر التهديدات الأمنية المطروحة، وفي غضون ذلك، يؤدي توسّع «داعش» وحملته المعادية لموسكو إلى إضعاف نطاق النفوذ الروسي في آسيا الوسطى ذات الأغلبية المسلمة.

لا تزال «طالبان» تطالب باعتراف المجتمع الدولي بمكانتها كحاكمة أفغانستان، لكن في ظل جمود الاقتصاد واستمرار الأعمال العدائية مع المنظمات المسلّحة، تدرك الحركة أنها مضطرة للتركيز على تدفق المساعدات والموارد إلى البلد، ويحتل الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي أهمية كبرى بالنسبة إلى «طالبان» إذا أرادت أن تتابع السيطرة على أفغانستان.

تجدر الإشارة إلى استمرار العلاقات بين الطرفَين حتى الآن رغم عدم استعداد روسيا للاعتراف رسمياً بـ «طالبان» كحاكمة أفغانستان الشرعية وتصنيف الحركة كمنظمة إرهابية منذ عام 2003، في الوقت الراهن، سيستمر التواصل بين روسيا و«طالبان» رغم كل شيء.

تعتبر «طالبان» روسيا شريكة اقتصادية جاذبة لأنها تستطيع أن تؤمّن لها إمدادت النفط والغاز التي أصبح الاقتصاد الأفغاني بأمسّ الحاجة إليها بأسعار مُخفّضة، أما روسيا، فهي تعتبر «طالبان» الخيار الأكثر استقراراً في البنية الأمنية المتبدّلة إقليمياً، وهي الجهة الوحيدة التي تستطيع كبح تقدّم «داعش» حتى الآن. باختصار، لا سبب يدعو الطرفَين إلى التخلي عن هذه المنافع.

* «كلوديا شيا يي إن »

back to top