منتسبو اللجنة الكويتية لرياضة المشي.. نماذج ملهمة تتحدى الزمن

نشر في 12-11-2022 | 17:53
آخر تحديث 12-11-2022 | 22:44
أفراد المجموعة مع بداية التدريب
أفراد المجموعة مع بداية التدريب
بممشى السالمية وفي الصباح الباكر وقف السبعيني حسن العيدان والستينيان عبدالستار الشمري ومحمود صبري والثمانيني جابر فريد المنتسبون إلى اللجنة الكويتية لرياضة المشي ينظمون صفوف مجموعة من الشباب ذوي مشارب وأعمار مختلفة استعداداً لجرعة تدريبية تتمثل في قطع تسعة كليومترات مشياً ذهاباً وإياباً.

بعدما ضبط كل منهم ساعته لحساب الزمن الذي سيقطعون خلاله تلك المسافة انطلقت المسيرة وما إن مشوا عشرات الأمتار حتى بدا واضحاً تنافس ودي محموم بين أفرادها لا فرق فيه بين كبير أو صغير الكل يمشي بهمة حتى لا يتخلف عن الركب.

وقف الجميع عند صالة سلوى لالتقاط الأنفاس وتوجه بعضهم إلى «براد» لشرب المياه قبل الانطلاق في رحلة العودة وفيها أظهر كل منهم قدراته الفردية فممدوح السريع (السريع اسمه وليس لقبه) فضل العدْو والمهندس محمود صبري بدأ يهرول بينما فضلت الغالبية العودة مشياً.

خلال رحلة الذهاب التزم الجميع بقواعد المشي القانوني، وكان العيدان (72 عاماً) في المقدمة تلاه ممدوح وبعض الشباب ومعهم «عميد المشائين» جابر فريد (80 عاماً) وعبدالستار الشمري (65 عاماً) ومحمود صبري (61 عاماً) الذي يُطلق عليه أفراد المجموعة «سجل اللجنة المتحرك».

لقد اعتاد أفراد المجموعة مقارعة هؤلاء المشائين الكبار لهم ومنافستهم إياهم في كل السباقات ولذلك يجسدون قوام ما ترمي إليه اللجنة من غاية فهم المثل الملهم والفريد في العزيمة والمثابرة لمنافسة الشباب حيث يواصلون المشي بهمة ونشاط حتى آخر التدريب.

عند نقطة النهاية التأم شمل المجموعة وما إن جلسوا حتى أظهرت إحدى المنتسبات مشروب «الميرمية» الساخن وأخرج آخر النسكافيه فيما أحضرت منتسبة أخرى كعكة أعدتها بمكونات صحية، بعد الانتهاء من المشروبات والمأكولات قاد جابر فريد بعض أفراد المجموعة خلال تدريبات خفيفة لـ«فك العضلات» قبل انصراف كل منهم إلى حال سبيله.

في صورة مماثلة لنشاط تلك المجموعة الملهمة درج الدكتور مصطفى جوهر حيات (75 عاماً) رئيس اللجنة على مهاتفة رفقائه لاعب نادي السالمية السابق عبدالله سالم أو لاعب كرة اليد السابق بنادي العربي حسن جابر أو رئيس اتحاد ألعاب القوى السابق حبيب صفر ليمشوا معاً في ممشى مشرف -الذي كان هو وراء إنشائه- نحو ثمانية كيلومترات بصورة شبه يومية.

وعلى أهميتها لا تخلو رياضة المشي من المنغصات فقد حكى الدكتور حيات أنه رأى يوماً أحد الأفراد بالممشى وبيده قرد يؤدي حركات بهلوانية ما جعل رواد الممشى ينقسمون بين طفل مرتعب وكبير متضجر ليتوقف المشاؤون عن أداء حصتهم ويضيع عليهم يوم من التدريب.

في يوم آخر كان حيات يمارس هوايته على الممشى ذاته فواجهه على المسار نفسه شاب يقود دراجته بسرعة كبيرة فلم يملك إلا أن يبتعد عن طريقه سريعاً حتى لا يصدمه وفي طريق العودة واجهه ثانية فلم يجد بداً من إيقافه ومطالبته بركوب دراجته في مكان آخر حفاظاً على نفسه والمشاة إلا أن الشاب لم يقتنع وواصل طريقه، مؤكداً أنه منتبه لمن حوله و«ما راح يصير إلا كل خير».

خلال الدورة الثانية للمشي كان الشاب نفسه يسير بسرعته المعتادة وعند أحد منحنيات الممشى وبسبب سرعته فقد السيطرة على الدراجة فاتجه نحو أحد المشاة وعندما حاول تفاديه مال بها جانباً ليصطدم بمقعد اسمنتي على جانب الممشى ويسقط مصاباً بسحجات وكدمات وتتحطم دراجته.



من مثل تلك الوقائع تنطلق الصيحات للحفاظ على الممشى ورواده مما يعوق ممارستهم لرياضتهم وعلى رأس الداعين إلى ذلك الدكتور حيات وهو أحد النماذج الملهمة لممارسي رياضة المشي ومن المهتمين بتطويرها كما أنه ذو باع طويل في تأليف إصدارات مهمة في هذا المضمار وهو الأعرف بمشكلاتهم.

وفي سبيل مواجهة هذه المعوقات يسعى حيات عبر اللجنة إلى توفير الأجواء الملائمة للمشاة والتخلص من كل ما يعوق أدائهم لهوايتهم مع الحرص على اتساع نشاطاتها وازدياد عدد منتسبيها وتحقيقهم أرقاماً قياسية في عالم المشي لتحفيز أبناء المجتمع على تحدي الزمن والتمسك بالرياضة للنجاة من أمراض العصر.

وللجنة الكويتية لرياضة المشي قصة بدأت في منتصف ثمانينيات القرن الماضي حيث يقول الدكتور حيات إن «الشيخ جابر العلي طيب الله ثراه الذي كان مواظباً على المشي لمسافات كبيرة تصل إلى ثمانية كيلومترات يومياً اهتم كثيراً بالمشي والمشائين وكان يحثني دوماً على تشكيل كيان يهتم بهم ويوفر لهم سبل الراحة».

واستمرت الجهود حتى التسعينيات -والكلام هنا للمنسق العام للجنة محمود صبري- حين تشكلت روابط تعارف بين ممارسي رياضة المشي بسبب تكرار اللقاءات العشوائية بينهم خلال التدريب أو الاشتراك في السباقات ليتفقوا معاً على تشكيل «رابطة» لتكون كياناً يجمعهم ليتدربوا معاً ويتسابقوا معاً ويواصلوا المشي بلا وهن.

وأضاف «المشي لا يضيف أياماً للحياة ولكنه يضيف حياة للأيام» عبارة لخص بها صبري فلسفة الرابطة التي كان وزير الصحة السابق الدكتور عبدالرحمن العوضي -رحمه الله- رئيسها وأحد أصحاب الفضل في تأسيسها مع العيدان وصبري وفريد والشمري وآخرين و«كان من ضمن الساعين بجد لتنال حظها من الاهتمام حتى خرجت إلى حيز الوجود الفعلي في 2009 ثم نظمت البطولة التنشيطية الأولى لهواة المشي في 14 أكتوبر 2011».

ولتشكيل هذا الكيان ذكرى خاصة لدى كبار منتسبيه فالمشاء الكويتي حسن العيدان يتذكر أنه كان قبل مولد الرابطة يمشي منفرداً على «كورنيش السالمية» قبل أن يكون بصورته الحالية وفي 2009 مع تكرار رؤيته لفريد وصبري يمشيان في الموقع ذاته تعارفوا ووضعوا معاً لبنة اللجنة التي نالت في أغسطس 2020 اعتراف اللجنة الأولمبية.

كانت الرابطة في نظر العيدان الذي جلس على كرسيه في نهاية رحلة السير قاطرة انتقل عبرها من ضيق الملل خلال المشي الانفرادي إلى سعة الصحبة بالمشي برفقة مشائين ذوي خبرة كبيرة في ممارسة تلك الرياضة وفق الأصول القانونية التي وضعتها الجهات الحاكمة للعبة.

غير بعيد عن العيدان، كان المشاء الكويتي عبدالستار الشمري (65 عاماً) الذي لم تمنعه إصابة يده من التدريب يتابع ما يسرد العيدان عن تجربته ليلتقط منه طرف الحديث ويقول إن «الرابطة وفرت لي فرصة المشي الجماعي بصورة دورية وكانت دافعاً قوياً لي للانتظام ومواصلة ممارسة تلك الرياضة الشائقة وقطف ثمارها».

في الطرف المقابل، وقف الكابتن جابر فريد الثمانيني الذي يخلو مظهره من آثار الشيخوخة اللهم إلا من تجاعيد الوجه وبياض بعض الشعر المنحسر ليحكي كيف ساهم في تأصيل الطريقة الصحيحة للمشي القانوني لدى منتسبي اللجنة، مؤكداً ضرورة «الالتزام باتصال الجسم بالأرض وعدم القفز خلال المشي حتى لا يعتبر المتسابق مستبعداً».

ومن قبيل الالتزام الأدبي نحو اللجنة حرص الخمسيني ياسر هاشم على التواجد مع المجموعة رغم عدم مشاركته في التدريب لإصابته بالتواء في الكاحل، معبراً عن عشقه للمشي وتقديره للجو المحفز الذي توفره اللجنة والذي ساهم في تمتعه بجسد رياضي لا سيما مع التدريبات التي تمتد لمسافات كبيرة تصل إلى عشرين كيلومتراً.

ولا تنفك اللجنة تعمل لبلوغ غايتها فهي -على لسان مقررتها الدكتورة أمل الخليفة- تسعى لرفع التوعية بأهمية رياضة المشي، مؤكدة أن استراتيجية اللجنة تتضمن تنفيذ برامج توعوية بمشاركة جهات حكومية وخاصة من أجل نشر ثقافة المشي وإزالة أي معوقات تمنع المشاة من ممارسة نشاطهم بأريحية تامة.

back to top