شرف المحاولة (1)

نشر في 24-09-2023
آخر تحديث 23-09-2023 | 19:06
 حسن العيسى

المحاولة أن تكون سيزيف برؤية ألبير كامو حين تدفع الصخرة للأعلى، وتعود تنزلق للأسفل، ثم من جديد تدفع بمحاولة بعد الأخرى من غير يأس، هكذا هي الروائية بثينة العيسى في أول كتاب بحثي لها عن صخرة الرقابة، بعنوان «شرف المحاولة معاركنا الصغيرة ضد الرقابة»، بثينة هي سيزيف العنيد الذي لا يعرف الهزيمة ولا يفقد الأمل بالانتصار يوماً ما.

«لقد شعرت دائماً، أمام الرقابة بأنني أقف وحيدة وبظهر مكشوف أمام نظام يمتلك كل مقومات تصفيتي، مادياً ومعنوياً، مثل شيء هش وطفيلي في عالم شديد القطيعة، تكون فيه أنت نفسك كل يوم موضوعاً للمراقبة، عبر التصنيف، الاستشراف والتخوين والمزايدة» من مقدمة الكتاب ص 13.

هذا العالم التعس الذي يكمم فمك ويضع سلاسل الإرهاب الرسمي على عقلك – بافتراض أنك تملك رؤية وفكراً وليس فرداً تائهاً من القطيع – هو الرقابة السابقة والتي ألغيت في السنتين الماضيتين كانتصار جزئي من دعاة الحرية، لتبقى بعد ذلك حليمة على عادتها القديمة في الرقابة اللاحقة بجهل الولاة القائمين عليها وضحالة ثقافتهم وخشيتهم من ركام السذاجة والسطحية من رقباء المجتمع أصحاب «التصنيف والتخوين والمزايدة»، وما أكثرهم.

بكلمات الألم ومشاعر الاختناق عند الكاتبة «... تصبح الحريات محض قرابين هشة تقدمها الحكومة إلى النواب وبعض التيارات لاسترضائهم، ولا ينافس الطرح المعادي للحريات إلا الطرح الشعبوي، القائم على دغدغة حاسة الاستحقاق الريعي لدى الإنسان الكويتي...».

هكذا أجملت بثينة واقعنا الكئيب في دولة «الأخ الأكبر يراقبك» بتعبير أورويل في رواية 1984، الحرية هي شهرزاد، التي عليها أن تقص كل ليلة حكاية للملك الطاغية شهريار كي تمد من ليالي عمرها، وإذا كانت شهرزاد، وهي من نسج الخيال القصصي، قد نجت... «على عكس ابن المقفع... وغيلان الدمشقي، والحلاج، والسهروردي، وسيد قطب، وفرج فودة، وناجي العلي...»، فإنه لم ينج أحد منهم من بطش السلطة وكانوا شهداء الحرية.

«... إن العلاقة المتشنجة بين الثقافة والسلطة» ليست محددة بزمان ومكان، فهي قديماً وحديثاً في دول اللاحضارة والاستبداد، سواء كان منبعهما السلطة الرسمية أو السلطة المجتمعية، هي علاقة السيد المستبد مع الأحرار المفكرين، فهو يرى فيهم خطراً يهدد احتكاره للملك ويسبب قلقاً دائماً لدى المجتمعات المستنقعية، فالكلمة الحرة هي صخرة ألقيت بذلك الآسن الراكد لتهز قناعاتها وتبدد أوهامها وتثير قلقها الوجودي. وللحديث بقية مع كتاب بثينة.

back to top