حقبة جديدة من الشراكة الاستراتيجية الصينية - الكويتية

نشر في 21-09-2023
آخر تحديث 20-09-2023 | 21:41
سفير الصين لدى الكويت تشانغ جيانوي
سفير الصين لدى الكويت تشانغ جيانوي

توجّه سمو ولي عهد الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح إلى الصين بتاريخ 20 الجاري لحضور حفل افتتاح دورة الألعاب الآسيوية الـ 19، في أرفع زيارة كويتية إلى الصين منذ 5 سنوات.

وتتضمن الزيارة لقاء بين الرئيس الصيني شي جينبينغ، وسمو ولي العهد في مدينة هانغتشو، سيشهد التوقيع على عدد من وثائق التعاون الثنائي التي سترسم مخطط العلاقات المستقبلية بين البلدين.

وتحظى هذه الزيارة بأهمية بالغة، خاصة في ضوء العمل المشترك بين الصين والدول العربية لبناء مصير مشترك صيني - عربي في العصر الجديد، مما يعمق الثقة الاستراتيجية المتبادلة بين الصين والكويت بشكلٍ كبير، ويرتقي بالتعاون العملي بين البلدين إلى مستوى أرحب، ويطلق حقبة جديدة من تطوّر الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.

إن جذور العلاقات الصينية ـ الكويتية ضاربة في التاريخ، حيث ترجع التبادلات الودية على طول طريق الحرير القديم إلى أكثر من 1000 سنة. وفي شهر فبراير 1965 زار الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصين، (حينما كان وزيراً للمالية والصناعة والتجارة)، وأكد خلال الزيارة دعم الكويت القوي والثابت لجمهورية الصين الشعبية، وتأييد الكويت للصين في الحفاظ على سيادة وسلامة أراضيها، مشدداً على موقف الكويت الداعم لمبدأ الصين الواحدة واستعادة المقعد الشرعي للصين الشعبية في الأمم المتحدة بأسرع وقت.

ومهدت تلك الزيارة الطريق أمام إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وساهمت في تعزيز التعاون الثنائي السياسي والاقتصادي، والذي امتد الى مجالات أخرى لاحقاً. وفي عام 1971، قرر قائدا الدولتين بالرؤية الثاقبة والحكمة الرشيدة إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين على مستوى السفراء، مما جعل الكويت أول دولة خليجية أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين.

ومنذ ذلك اليوم، وعلى الرغم من التغيّرات والتقلبات الدولية، التزمت الصين والكويت، على مدار أكثر من 5 عقود، بالاحترام المتبادل والمساواة والمنفعة المتبادلة والتنمية المشتركة، وحافظتا على التبادلات الودية والتعاون الوثيق، وتقاسم السراء والضراء، وبذلتا الجهود المشتركة من أجل تحقيق مزيد من المصالح والمنافع للشعبين. وأصبحت العلاقات بين الصين والكويت مثالاً رائداً للعلاقات مع الدول الأخرى في المنطقة، ونموذجاً يحتذى في العلاقات الثنائية.

وتحرص الصين والكويت دائماً على تبادل الدعم في القضايا المتعلقة بالسيادة وسلامة الأراضي لكلا البلدين، وبعد الغزو العراقي للكويت عام 1990، أعربت الصين عن معارضتها الشديدة للغزو، وبذلت قصارى جهدها بصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لاستعادة استقلال الكويت وسيادتها وسلامة أراضيها.

وفي أعقاب حرب تحرير الكويت، أرسلت الصين على الفور فريق إطفاء مكوناً من 60 فرداً قاموا بتحدي المخاطر ومساعدة الكويت على إطفاء الحرائق في 10 آبار نفط بمستوى 10 آلاف طن خلال أقل من شهرين.

ولن ينسى الشعب الصيني ما قدّمته الكويت للصين من دعمٍ ثمينٍ لاستعادة مقعدها الشرعي في الأمم المتحدة، ولن ينسى أيضاً أن القادة الكويتيين بادروا بتقديم التعاطف ومد يد العون للصين كلّما تعرّضت لكارثة طبيعية خطيرة. وفي مواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد، وقفت الصين والكويت جنباً إلى جنب للتغلب على الصعوبات. وفي ذروة معركة الصين ضد «كوفيد- 19» في ووهان، أصدر سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد تعليماته لمجلس الوزراء بتقديم امدادات للصين بلغت قيمتها 3 ملايين دولار، وهو ما كان مشجعاً للغاية للشعب الصيني في مكافحة الوباء في ذلك الوقت. وعندما دخلت الكويت مرحلة حاسمة في معركتها ضد «كوفيد- 19» أرسلت الصين فريقاً من الخبراء للمساعدة في السيطرة على الوباء، تلبية لطلب الجانب الكويتي.

وعلاوة على ذلك، لن يغيب عن وجدان الشعب الصيني أن الكويت قدمت مساهمات إيجابية في بناء البنية التحتية المحلية، وحماية البيئة، والتنمية الصحية والتعليمية في الصين، بصفتها أكثر دولة عربية تقدّم للصين القروض التفضيلية الحكومية. ومنذ عام 1982، بدأ الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية إقراض الصين. وحتى الآن مول الصندوق ـ 40 مشروعاً في الصين، تبلغ قيمتها الإجمالية حوالي مليار دولار.

والكويت هي الدولة الخليجية الوحيدة التي يتمركز فيها فريق طبي صيني، وظلت الصين ترسل فرقاً طبية إلى الكويت منذ عام 1976، حيث يطبّق الأطباء الصينيون علاجات الطب الصيني التقليدي، مثل الوخز بالإبر والحجامة، مما يسهم في تعزيز الصحة والسعادة للشعب الكويتي، ويعزز الصداقة بين الشعبين. هذا مجرد غيضٌ من فيض القصص المؤثرة العديدة حول التبادل الودي بين الجانبين. إن القول الصيني «الذين يتقاسمون الأهداف لا تفصلهم الجبال» يصف بشكل مناسب الصداقة بين الصين والكويت، والتي ازدادت رسوخاً وصلابة على مر السنين.

وعلى مدى العقد الماضي، وبفضل الرعاية والتوجيهات السامية من قادة البلدين، حققت العلاقات الصينية ـ الكويتية نمواً بالغاً، وباعتبارها بوابة رئيسية في منطقة الخليج وجزءاً مهماً من «طريق الحرير» البرّي والبحري، تعدّ الكويت شريكاً طبيعياً ومثالياً للتعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق.

وفي عام 2014، أصبحت الكويت أول دولة في الشرق الأوسط توقّع وثائق التعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق مع الصين، وقد عمل الجانبان بنشاط على المواءمة بين مبادرة الحزام والطريق ورؤية الكويت 2035. وشهد التعاون في المجالات التقليدية مثل البنية التحتية والطاقة توسعاً وتعمقاً باستمرار، مما ضخّ زخماً قوياً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الكويت.

وفي عام 2018، زار سمو الأمير الراحل، الشيخ صباح الأحمد، الصين، والتقى به الرئيس شي جينبينغ، وأعلنا بشكل مشترك إقامة شراكة استراتيجية بين البلدين، مما دفع العلاقات الثنائية إلى مسار النمو السريع. وفي إطار التعاون للبناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق، حقق الجانبان سلسلة من الإنجازات، بما في ذلك المبنى الجديد لبنك الكويت المركزي، ومدينة صباح السالم الجامعية، ومستشفى ضمان، ومصفاة الزور، والبنية التحتية لمدينة جنوب المطلاع، وطريق الدائري السابع، وأعمال استصلاح التربة الملوثة، وقد أصبحت هذه النتائج رمزاً للتعاون العملي بين الصين والكويت في العصر الجديد، كما حقق طفرة في التعاون الثنائي في مجالات التجارة والاستثمار والاتصالات، وغيرها من المجالات، بما عاد بفوائد ملموسة على البلدين والشعبين.

وحتى عام 2022، ظلت الصين أكبر شريك تجاري للكويت لمدة 7 سنوات متتالية، حيث سجلت التجارة البينية رقماً قياسياً قدره 31.48 مليار دولار، وأصبحت الكويت سابع أكبر مصدر لواردات النفط الخام إلى الصين.

وإضافة إلى ذلك، افتتحت هيئة الاستثمار الكويتية مكتبها الثاني في الخارج بمدينة شانغهاي لتوسيع استثماراتها المالية في الصين، وأصبحت الكويت أول مستثمر أجنبي في مجال شبكة السكك الحديدية العالية السرعة في الصين. وفي الوقت نفسه، تشير الإحصاءات الصادرة عن الكويت إلى أن إجمالي استثمارات الصين المباشرة في الكويت بلغ حوالي 550 مليون دولار، مما جعل الصين ثاني أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر في الكويت، وباتت السيارات الصينية تحظى بشعبية متزايدة بين المستهلكين الكويتيين، وذلك لجودتها العالية والخدمة المتميزة، ومما لا شك فيه أن شبكة الجيل الخامس التجارية التي تم بناؤها في جميع أنحاء الكويت بالتعاون مع شركة هواوي، وهي الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، ستعطي دفعة قوية للتحول الاقتصادي في الكويت.

إلى جانب ذلك، يتمتع شعبانا بعلاقات أوثق، وسيتم تسيير 4 رحلات مباشرة أسبوعياً من مدينة الكويت إلى غوانغتشو، وذلك مقارنة بتسيير رحلة واحدة فقط عندما تم إطلاقها عام 2020، وهذا المسار الجوي يسهّل السفر بين البلدين. وسيمنح أول مركز ثقافي صيني في منطقة الخليج، والذي تم تشغيله التجريبي أخيراً، فرصة للشعب الكويتي للحصول على المزيد من المعارف عن الثقافة الصينية الرائعة والساحرة. كل هذا يدل على أن المصالح التنموية لكلا البلدين متضافرة بشكل وثيق، وأن الشعبين مرتبطان بشكل أوثق ببعضهما البعض، وأن التبادلات والتعاون بين البلدين تزداد ازدهاراً وحيوية في شتى المجالات.

إن المشهد الدولي اليوم يمرّ بمرحلة تحولٍ عميق، وتشارك الصين والكويت في رؤى ومبادئ مماثلة حول الحوكمة العالمية.

ورغم اختلافنا في النظام الاجتماعي والثقافة التقليدية، فإنّ كلا البلدين ينتمي إلى أسرة الحضارات الشرقية، ويتمسك بسياسة خارجية مستقلة وبمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ويدعو البلدان إلى التعددية، ويدعمان النظام الدولي القائم على الأمم المتحدة والمنظومة الدولية القائمة على القانون الدولي، ويعملان على حماية السلام والاستقرار الإقليميين والدوليين، وبناء اقتصاد عالمي مفتوح، ويبقى كلا البلدين ملتزمان بتعزيز التعلم المتبادل بين الحضارات وتنوّع الحضارات العالمية والقيم المشتركة للإنسانية.

إن الصين والكويت شريكان وثيقان يحرصان على التنسيق فيما بينهما على الساحة الدولية.

وتلعب التبادلات الرفيعة المستوى دوراً بارزاً في توجيه العلاقات الثنائية، وقد حافظ الرئيس شي جينبينغ وسمو أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد على تفاعلات واتصالات استراتيجية متكررة، وأعربا في رسائلهما المتبادلة عن الرغبة القوية في دفع الصداقة التقليدية قُدماً، وتعميق التعاون الثنائي على مختلف المجالات في إطار البناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق.

وفي ديسمبر من العام الماضي، التقى الرئيس شي جينبينغ للمرة الأولى سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد في الرياض، وشدد الرئيس شي جينبينغ، خلال الاجتماع، على أن الصين تحرص دائماً على أن تبقى شريكاً موثوقاً للكويت، وستواصل تعزيز المواءمة بين الاستراتيجيات التنموية للبلدين، والمشاركة النشطة في بناء المشاريع الكبرى بالكويت، واستكشاف إمكانات التعاون في مجالات الطاقة الجديدة والجيل الخامس للاتصالات والاقتصاد الرقمي، وتدعيم التواصل والتعاون في مجال الثقافة.

وفي الوقت نفسه، أكد سمو ولي العهد أن الصين صديق أبدي للكويت، وأن الجانب الكويتي يلتزم دوماً بمبدأ الصين الواحدة، وعلى استعداد لبذل جهود مشتركة مع الجانب الصيني لتعميق التعاون المتبادل المنفعة في المجالات كافة، بما يفتح آفاقاً جديدة للشراكة الاستراتيجية بين البلدين.

وفي وقتنا الحاضر، سنحت أمام الجانبين فرصة تاريخية جديدة لتعميق العلاقات الثنائية، وبينما تبذل الصين جهوداً حثيثة لدفع التحديث الصيني النمط وتعزيز الانفتاح عالي المستوى، فإن ذلك سيجلب المزيد من الثقة والأمل والفرص للعلاقات الصينية ـ الكويتية، ولتنمية دول العالم، بما في ذلك الكويت. وتحرص الصين على العمل معاً مع الكويت لخلق مستقبل أكثر إشراقا للعلاقات الثنائية، وأتمنى لزيارة سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد للصين أن تُكلل بالنجاح الباهر، والتي ستسطر تالياً فصلاً جديداً في سجل الشراكة الاستراتيجية بين البلدين الصديقين.

back to top