تقرير اقتصادي: تأسيس بورصة ثانية في الكويت... فكرة محفزة

• تخلق بيئة منافسة في سوق المال بقطاعات متنوعة وتنوع خيارات المستثمرين
• تعدُّد مقدمي الخدمة يستحق النقاش في «التأمينات» و«القصّر» و«الأوقاف» و«كي نت» وغيرها

نشر في 21-09-2023
آخر تحديث 20-09-2023 | 18:06
محمد البغلي
محمد البغلي

فتح ما نشرته جريدة «الجريدة» في عددها الصادر بتاريخ 4 سبتمبر الجاري بشأن دراسة هيئة أسواق المال فكرة تأسيس بورصة جديدة مختصة بإدراج وتداول أسهم الشركات الصغيرة والمتوسطة فرصة لنقاش أوسع حول تعدد مقدمي الخدمة، لا في سوق المال فقط، بل في مختلف أوجه الحياة الاقتصادية كلها.

تعدد البورصات في الكويت يستوجب تنمية عمل الجهات الناظمة خصوصاً في جانبَي التطوير والرقابة

فحسب القانون رقم 7 لسنة 2010 بشأن إنشاء هيئة أسواق المال وتنظيم نشاط الأوراق المالية لا يوجد ما يمنع تأسيس بورصة أو بورصات جديدة، خصوصاً أن اسم الهيئة بـ «أسواق المال» يشير إلى جواز تعدد الأسواق وتنوعها، ليس في فقط في قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة، إنما حتى في مجال منافس لشركة بورصة الكويت لجهة إمكانية تكرار تجربة بورصة الكويت في بورصة أخرى تنافسها في جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية، وطرح الأدوات الاستثمارية، لاسيما غير المفعّلة منها وأعمال المقاصة وغيرها.

ليس انتقاصاً

ولعله من المفيد القول، إن طرح فكرة تأسيس بورصة جديدة في الكويت لا يعد انتقاصاً من البورصة الحالية، إنما هو أقرب للاعتراف بنجاح نسبي للتجربة في تحول منشأة بورصة الكويت من قطاع حكومي إلى خاص، فأرباحها منذ خصخصتها عام 2017 إلى نتائج النصف الأول من العام الحالي بلغت 80 مليون دينار، أي نحو 4 أضعاف رأس المال، فيما تضاعفت القيمة السوقية لسهم البورصة إلى 20 ضعفَ القيمة الاسمية، بالتالي فإن هذه الأرقام بقدر ما تشير إلى نجاح لشركة البورصة الأولى، فإنها أيضاً تعطي حافزاً لتأسيس بورصات ثانية عامة مشابهة للأولى أو متخصصة في قطاعات وأغراض متنوعة.

بورصات متعددة

فوجود بورصات متعددة في قطاعات كالتكنولوجيا والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم والعقار وأنظمة الاستثمار الجماعي وأسواق السندات والصكوك والسلع أو صناديق «الريت» أو صناديق المؤشرات الـ (s) ETF أو متخصصة في الأسهم المتوافقة مع الشريعة أو الشركات العائلية وغير ذلك من أنواع الكيانات والشركات، بل حتى المنافسة في الإدراج المزدوج للشركات في بورصتين داخل نفس الدولة، ينعكس على مميزات على شكل قيمة وسيولة سوق الكويت وتحفيز للمنافسة فيها وتنويع خيارات المستثمرين، وهذا كله يصب في مصلحة مهنية السوق ومتعامليه أفراداً أو مؤسسات، ناهيك عن أن المنافسة في قطاع معين لا تعزز فقط من جودة الخدمة ومهنية الأداء، إنما تنعكس إيجاباً أيضاً على الأرباح والإيرادات.

فتح كيانات جديدة في قطاعَي الاتصالات والبنوك حفّز المنافسة وضاعف الأرباح وزاد العملاء ورفع جودة الخدمة

نمو لا تقليص

ولعل أوضح مثال في هذا الإطار هو ما حدث من ارتفاع لأرباح وعملاء وخدمات شركات الاتصالات المحلية عندما تجاوزت مرحلة الشركة الوحيدة المشغلة للخدمة، علاوة على تنامي أرباح القطاع المصرفي حتى مع دخول بنكين إضافيين بعد الألفية وتحول عدد من المصارف للنظام المتوافق مع الشريعة الإسلامية، ففي كل هذه التجارب على محدوديتها ارتفاع الأرباح وزاد العملاء وتنوعت الخدمات بما يحقق المنفعة على الأقل للمساهمين والعملاء.

دور الدولة

ومع وجود أكثر من بورصة، تؤدي الدولة دوراً تنظيمياً من خلال المؤسسة المعنية وهي هيئة أسواق المال مع وجود أدوار ثانوية لبنك الكويت المركزي والهيئة العامة للاستثمار وجهاز حماية المنافسة في خلق حالة رقابية وتمنع، من ناحية، تضارب المصالح أو السياسات الاحتكارية ناهيك عن تكريس معايير الحوكمة والشفافية وتعزيز الوسائل الخاصة بضبط التلاعب في تعاملات والاسهم وتنظيم التحليل الفني والمالي فيما تعمل من ناحية أخرى على تنمية السياسات التحفيزية للاستثمار في أسواق المال ورفع مهنية التداول في أكثر من بورصة ووضعها على مؤشرات الترقية الدولية وتقديم مبادرات تسمح بمعالجة انحرافات السيولة وتعزيز الأداء المؤسسي، بحيث تكون البورصات في الكويت وعاءً استثمارياً وتمويلياً للعديد من المنشآت الاقتصادية، خصوصاً التي لا تنطبق عليها شروط الإدراج في شركة بورصة الكويت الحالية.

تطوير ورقابة وخصخصة

بالتالي، فإن تعدد البورصات في الكويت مع تنمية عمل الجهات الناظمة، خصوصاً في جانبي التطوير والرقابة سيعطي نموذجاً أكثر وجاهة لأي عملية تخصيص قادمة في القطاعات الاقتصادية المتوسطة كالأندية الرياضية أو البريد أو المشروعات السياحية، خصوصاً أنها لا ترتبط بالخدمات الأساسية في المجتمع كالتعليم والصحة، وهنا يرتفع المستوى المهني للخصخصة من مجرد نقل للأصول من الدولة إلى القطاع الخاص إلى نموذج ذي طبيعة احترافية يوفر بيئة منافسة بين الشركات المتشابهة في أغراضها مع دور تنظيمي للدولة يمكنها من خلاله تقويم أي انحراف في تجارب الخصخصة وبناء مهنية إدارية ورقابية وتطويرية في معالجتها تمهيداً لمرحلة جديدة وأوسع من الخصخصة الناجحة في تحديات المنافسة وجودة الخدمة.

الخصخصة ليست مجرد بيع أصول أو تنظيم احتكار بل مراحل انتقالية تتطلب تكريس المنافسة وتقديم الخيارات أمام المستهلكين والعملاء

تعميم التعدد

بل إن فكرة تعدد البورصات يمكن أن تعمم بشكل أكثر احترافية وخدمة للمجتمع والاقتصاد مما يستدعي التفكير في كل القطاعات الخدمية التي تقدم خدمة محتكرة أو منفردة للعملاء والمستهلكين، فمثلاً ما الذي يمنع تأسيس شركة أخرى للخدمات المصرفية الآلية تنافس الحالية «كي.نت « في خدمات الدفع ومزايا التحويلات وآليات جذب العملاء وغيرها بالتوازي مع دخول شركتي أبل وسامسونغ في هذه الخدمة من خلال أجهزة الموبايل ناهيك عن أفكار تقدمية أوسع في خلق كيانات تقاعدية تنافس التأمينات الاجتماعية في تقديم الخدمات والمنتجات للمشتركين والمتقاعدين وهو أمر قد يجعل المنافسة مقدمة حتى على التدخل السياسي والشعبوي في أعمال المؤسسة فضلاً عن أن جهات حكومية أصغر تتعامل مع ملف إدارة الأصول كالهيئة العامة لشؤون القصّر والأمانة العامة للأوقاف يمكن أن تكون هناك جهات تنافس الحالية وفقاً لمعايير جودة الخدمة واختيار العميل شرط وجود دور تنظيمي فاعل للدولة يمارس أعمال الرقابة المستقلة ويفعل السياسات التطويرية في القطاع.

لا شك أن تعدد مشغلي الخدمة لا بد أن ينعكس إيجاباً على بيئة المنافسة في الكويت بكل ما تحظى فيه من مزايا تتعلق بخلق فرص العمل ووضع قواعد لوعاء الضريبي وجودة الخدمة، فالخصخصة ليست مجرد بيع أصول أو تنظيم احتكار جهة ما لمنتج أو خدمة معينة، إنما مراحل انتقالية تتطلب في فترة ما تكريساً للمنافسة وتقديم الخيارات المتعددة أمام المستهلكين والعملاء.

back to top