مجلس القضاء برئاسة بورسلي يواجه 4 تحديات

• ترتيب البيت الداخلي.. رفع كفاءة أعضائه.. رقمنة الخدمات القضائية.. تحقيق مطالب رجاله
• القضاء أحوج إلى الاستقرار والوئام
• يتعيَّن تقييم أداء القضاء والنيابة والأجهزة الرقابية وتفعيل قواعد السلوك

نشر في 21-09-2023
آخر تحديث 20-09-2023 | 18:00
المستشار د. عادل بورسلي رئيس المجلس الأعلى للقضاء
المستشار د. عادل بورسلي رئيس المجلس الأعلى للقضاء

مع اقتراب موعد انطلاق العام القضائي الجديد، وتعيين المستشار د. عادل بورسلي رئيساً جديداً لرئاسة المجلس الأعلى للقضاء، يواجه القضاء جُملة من التحديات في خضم الأحداث الداخلية التي يعيشها، والعراقيل التي تشهدها منظومة التقاضي.

ومع مطالب التطور والتقدُّم التقني لمنظومة القضاء، وسط ضعف أداء وزارة العدل لتحقيق ذلك التقدُّم المنشود، يجد القضاء نفسه اليوم مُطالباً بإحداث نقلات نوعية تستهدف مواجهة جُملة من التحديات، والتعامل معها بملفات مصيرية تستهدف ترتيب البيت القضائي، والعمل على كفاءة رجاله، وجودة العمل القضائي، وتطوير منظومة التقاضي، والعمل على تحقيق العيش الكريم لرجال القضاء، وتحقيق ما ينقصهم من مطالبات مشروعة دام عليها أكثر من 20 عاماً على الأقل.

وأول تلك الملفات التي يتوجَّب على الرئيس الجديد العمل على تحقيقها، هو ترتيب البيت القضائي مجدداً، إزاء ما شهده أخيراً من حالة عدم الاستقرار الداخلي، بسبب بعض التجاذبات، والتي أحدثت حالة من التوتر، بسبب عدم التعامل مع أولويات العمل القضائي، والتفرغ لمواجهة ملفات لا طائل قانونياً من ورائها سوى المزيد من الجراح، وهو ما لا يرقى لنبشه مجدداً، ولا يليق بالقضاء أو رجاله التطرق إليه.

والقضاء اليوم أحوج من أي وقت مضى إلى حالة الاستقرار والوئام الداخلي بين قياداته ورجاله، ممن عُرف عنهم الحيدة والنزاهة والأمانة، ولم تأبَ نفوسهم يوماً إلا على رد الظلم وتحقيق العدل.

ضرورة دعم وتطوير جهاز التفتيش ومعهد القضاء

ومثل هذا الوئام الداخلي يتطلب جهوداً من رئيسه بورسلي في العمل، وفق منهجية وأطر عملية، لاسيما أنه تدرَّج في العمل القضائي عند تولي رئاسة المحكمة الكلية إلى رئاسة محكمة التمييز، وعاصر في العمل جزءاً من مؤسسي القضاء الحديث، مثل المستشار محمد الرفاعي، رحمه الله، والمستشارين عبدالله العيسى وراشد الحماد ويوسف الغنام وفيصل المرشد، أطال الله في أعمارهم، كما عاصر الجيل الثاني من بعدهم، مثل المستشارين يوسف المطاوعة وأحمد العجيل ومحمد بن ناجي. وهو بذلك يملك القدرة على التعامل مع ترتيب البيت القضائي.

كفاءة رجال القضاء

بينما الملف الثاني الذي يتعيَّن العمل عليه، هو العمل على كفاءة رجال القضاء وجودة العمل القضائي. ومثل هذا الملف لا يتأتى تحقيقه إلا بمراجعة ثلاثة عناصر مرتبطة به، هي:

أولاً: تقييم أعمال عنصر القضاء خلال عمله في النيابة العامة والقضاء.

ثانياً: تقييم عمل المؤسسات الرقابية على أعمال القاضي، ومدى فاعليتها، كدعم معهد الكويت للدراسات القضائية، بما يعمل على تطوير عمل القاضي، ودعم دور جهاز التفتيش القضائي.

وثالثاً: ضمان التزام رجال القضاء بقواعد مدونة السلوك، وعدم مخالفتها، وفقاً لأحكام قانون تنظيم القضاء، وقانون مكافحة الفساد وتعارض المصالح.

وبشأن المسألة الأولى، المتصلة بتقييم عمل عناصر النيابة والقضاء، يتعيَّن العمل على مراجعة عناصر تقييم عضو النيابة والقضاء، وهل نجحت المدد البينية التي تقع بين الترقيات لرفع كفاءة هذه العناصر؟ وهل المدد في عملهم لدى النيابة العامة، وهي خمس سنوات كحد أدنى، كافية للعمل لدى النيابة والانتقال إلى القضاء؟

ومن جانب آخر، هل مدة الخمس سنوات التي عمل فيها عضو النيابة لدى النيابة، كجهاز تحقيق وتصرُّف وادعاء، كافية لتجعل منه قاضياً يتولى الفصل في الدعاوى وإدارة الجلسات، أم أنها مدة غير كافية؟ وهل فترات التدريب التي يتلقاها المنقولون بين النيابة إلى القضاء كفيلة بأن تجعل منهم عناصر قضائية قادرة على مواجهة الفصل بالدعاوى وإدارة الجلسات؟ أم أنها فترة بسيطة جداً؟

والأمر الآخر الذي يتعيَّن بحثه: مَنْ يتولى تدريب القاضي؟ وإلى مَنْ يرجع القاضي حديث التعيين، أي مَنْ مضى على عمله سنة أو سنتان أو ثلاث في القضاء؟!

هل توافرت الخبرات القضائية التي تكون له مرجعاً عند الرجوع إلى بعض المسائل؟ وهل ذلك الأمر مُنظم إدارياً داخل منظومة القضاء، وتحديداً من قضاة الجزئي أو الجنح أو الإيجارات؟ أم أنه أمر خاضع لبعض النماذج السابقة من أحكام أو مشاورة بعض الزملاء لهم ممن سبقوهم في العمل بالقضاء؟

هل مدة الخمس سنوات من العمل كافية لتعيين القضاة؟

هذه أمثلة لأسئلة، برأيي، مُستحقة لبناء فكر وشخصية ومنهجية العمل لدى القاضي. ولطالما كانت المنظومة غائبة عن تحقيق تلك المسائل المهمة والدقيقة، فكيف إذاً يتم تقييم مستوى العناصر القضائية حديثة الانضمام إلى القضاء، والتي لا يمكن لجهاز التفتيش - برأيي - إلا إظهار جزء منها؟ وهو ما يستلزم معه العمل على بناء نظام داخلي يعمل على تطوير أداء القضاء، ويتفرَّغ إلى توجيههم في كيفية إصدار الأحكام وإدارة الجلسات، وأن يكون هذا النظام مرجعية لهم، وأن يُسهم في تحديد مسارات تطويرهم، بالتنسيق مع معهد القضاء وجهاز التفتيش القضائي.

تطوير جهاز التفتيش

والمسألة الثانية، هي تقييم عمل الأجهزة الرقابية والعاملة على التطوير، كجهاز التفتيش القضائي ومعهد القضاء. وبرأيي، هذان الجهازان هما عصب القضاء حالياً، وعملهما يجب أن يحظى بالاهتمام والدعم اللامحدود من مجلس القضاء. فجهاز التفتيش القضائي يقوم بدور مهم وكبير للرقابة على المستوى الفني للسَّادة القضاة حتى درجة وكيل محكمة، لكنه لا يفتش على أعمال المستشارين، وهو أمر يتعيَّن الإسراع بتعديله في قانون تنظيم القضاء، فضلاً عن دعم هذا الجهاز، وتوسيع صلاحياته الفنية، ما من شأنه أن يسهم في رفع المستوى الفني للأحكام، بما يحقق الجودة المطلوبة منها.

كما يجب دعم معهد القضاء، ودوره في الدورات والورش العملية لتطوير مهارات القضاة في جميع الأفرع المتعلقة بعلم القانون وإدارة الجلسات، واطلاعهم على آخر التشريعات الصادرة واتجاهات القضاء الحديث، والتعامل مع الأنظمة الحديثة في التشريع، والصياغة القانونية التي بدأت تفتقدها بعض الأحكام القضائية، التي أصبحت تتضمن العديد من التكرار، الذي يخلو من الإبداع القضائي والفكري الذي يتطلبه عمل القاضي، فالقاضي مزيج من المهارات، جزء منها يتصل بالفكر والحكمة والصبر وحُسن إدارة الجلسات وضبط النفس تجاه ما يتعرَّض له، فضلاً عن باقي الصفات التي يتمتع بها، من حيدة وصدق وأمانة وتجرُّد.

والمسألة الثالثة التي تتطلب عملاً من قِبل مجلس القضاء، هي العمل على تفعيل مدونة السلوك الخاصة بعمل رجال القضاء، والالتزام بقواعد قانون تنظيم القضاء وقانون مكافحة الفساد وتعارض المصالح، وضمان عدم مخالفتهم لتلك القواعد، التي تتطلب إنشاء لجان مرتبطة بمجلس القضاء والتفتيش القضائي، للتأكد من عدم مخالفة تلك القواعد، التي تضمن سلامة المسلك الوظيفي لرجال القضاء وأعضاء النيابة، وهي قواعد ليست بالمبتدعة، بل تعمد العديد من الدول على تحقيقها، فضلاً عن أنها مُقرَّة بقوانين لا تتطلب سوى العمل على تطبيقها.

تعديل قانون المرافعات

بينما الملف الثالث الذي يتعيَّن على مجلس القضاء العمل على إنجازه، هو ملف الدفع بتعديل قانون المرافعات والإجراءات، وتحويل منظومة التقاضي الحالية إلى منظومة تقنية تسمح بعقد الجلسات عن بُعد، سواء في المحاكم أو إدارة الخبراء، وكذلك إنجاز جميع الخدمات القضائية إلكترونياً، وهي مهمة - برأيي - أصبح أمر إنجازها مهماً وضرورياً لانتشال منظومة العمل الحالية، حيث وصل تراكم الطعون إلى أكثر من 75 ألف طعن، وتأجيل قضايا الجنح إلى عام 2028، بسبب تردي منظومة العمل الحالية، والتي سببها بالتأكيد وبالدرجة الأولى القوانين الحالية، وعدم الرغبة في التحوُّل الرقمي لخدمات التقاضي، وضعف أداء الموظفين القائمين عليها، وكثرة الدعاوى المُقامة أمام المحاكم وجهات التحقيق، وهو ما يستدعي معه العمل على إيجاد منظومة حديثة أكثر مرونة تسمح باحتواء كل تلك العراقيل، وتلبي رغبات المتعاملين مع أجهزة القضاء في الحصول على خدمات ميسَّرة، وبأسرع وقت ممكن.

مطالب القضاة

فيما الملف الرابع والأخير، والذي أرى أنه من الملفات المهمة التي يتعيَّن على مجلس القضاء، برئاسته الجديدة، أن يحرص عليها، هو ملف تحقيق العيش الكريم لرجال القضاء، وإقرار المطالب التي تعود لأكثر من 20 عاماً، ومنها فتح نادي القضاة، الذي مازال مغلقاً لأكثر من ثلاث سنوات، رغم جاهزيته، وإقرار الضمان الصحي والعلاج بالخارج لرجال القضاء، والضمان الاجتماعي والتعليمي، ومنحهم بعض المزايا الخاصة بالتقاعد، كإقرار مكافآت لهم، ونظام تقاعد يحقق لهم الاستقرار، فمن غير المقبول، وبعد سنوات من العطاء، أن يُمنح راتباً تقاعدياً يمثل الربع أو الثلث من الراتب الذي يتقاضاه عند التقاعد.

وتلك الملفات، التي برأيي تمثل تحديات، ما هي إلا جزء منها، والتي أرى أن الرئيس الحالي لن ينجح لوحده على تحقيقها، فالأمر يتطلب العمل الجماعي من كل أعضاء مجلس القضاء، ومن خلال لجان يشكِّلها، وإشراك الكفاءات والخبرات من رجال القضاء والنيابة العامة فيها، من أجل رفعة القضاء، وتطوير أدائه، ورفع كفاءة منتسبيه، وتحقيق العيش الكريم لهم.

back to top