مزايا ارتفاع أسعار النفط... تعمّق «المرض الكويتي»

• تغري بمواصلة استخدام المسكنات ليصبح علاج مشاكل الاقتصاد لاحقاً أكثر إيلاماً
• تفتح الباب لمزيد من المطالبات الشعبوية وتقلل مراجعة جدوى الإنفاق الرأسمالي

نشر في 14-09-2023
آخر تحديث 13-09-2023 | 19:02
محمد البغلي
محمد البغلي

مع بلوغ سعر برميل النفط الكويتي 95.18 دولاراً، يوم الثلاثاء الماضي، يكون البرميل قد حقق مكاسب بلغت 20 بالمئة منذ بداية السنة المالية 2023 - 2024 التي بدأت مع مطلع شهر أبريل الماضي، ليتجاوز خلال الشهر الجاري سعر التعادل المقرر في الميزانية البالغ 92.9 دولاراً للبرميل بـ 2.45 بالمئة.

ولعلّ الأرقام الجديدة التي حققها برميل النفط عالميا، وبالتالي كويتيا تشير الى العجز المتوقّع في الميزانية المقدّر بـ 6.8 مليارات دينار من المفترض أن يتقلص الى حد كبير، وربما تحوّل في نهاية السنة المالية الى فائض للعام الثاني على التوالي، في ظل توقعات متفائلة في أسواق النفط تتحدث عن تجاوز أسعار خام برنت لـ 100 دولار خلال أشهر الشتاء القادم، مدعومة بارتفاع موسمي في الطلب على الطاقة، فضلا عن العوامل الاستثنائية التي تدعم أسعار برميل النفط كاستمرار الحرب الروسية - الأوكرانية، الى جانب اتفاقات مجموعة أوبك بلس على خفض الإنتاج وتمديد الاتفاقات في أكثر من مناسبة.

تصاعد المصروفات

وحسب تجارب السنوات السابقة، فإنّ ارتفاع أسعار النفط وتحوّلها الى فوائض في الميزانية - بكل ما فيه من عوائد ومزايا مريحة لبعض الوقت - يعني المزيد من استسهال طرفَي الإدارة العامة، الحكومة ومجلس الأمة، في رفع المصروفات ذات الطبيعة المستدامة للسنوات المالية القادمة، وهو أمر لم تستطع الدولة كبحه لا في سنوات الفوائض ولا سنوات العجز، فتصاعد المصروفات العامة، خصوصا المصنفة كإنفاق جار لا عوائد مالية أو اقتصادية له، في تصاعد مستمر منذ مطلع الألفية الحالية، وبما يعادل 8 أضعاف مصروفات عام 2001، لدرجة أن فترة السنوات الـ 9 التي شهدت عجوزات مالية بعد هزّة أسعار النفط عام 2014، سجلت وحدها نموا بالمصروفات بواقع 39 بالمئة، وصولا الى 26.3 مليار دينار.

سهولة الاستجابة

وبالتالي، فإنّ الحديث عن استسهال زيادة مصروفات الميزانية لا يتعلق فقط بجوانب ارتفاع قيمة بنود الرواتب وما في حُكمها، والدعوم التي تستحوذ على 80 بالمئة، إنما أيضا بسهولة استجابة المجلسين لتمرير مقترحات ذات أعباء مستدامة على ميزانية الدولة للسنوات القادمة، لا سيما المقترحات التي ناقشتها أو أقرّتها اللجنة المالية البرلمانية كزيادة بدل الإيجار وقروض الزواج والبناء، ومضاعفة بدل العلاوة الاجتماعية للأبناء، أو مقترحات رفع مكافآت طلاب الجامعة، فضلا عن التوجهات الخاصة بالمتقاعدين والمقترضين، والمخاوف من جعل ما يُعرَف بالبديل الاستراتيجي ذا تكلفة مالية أكبر على الدولة دون عوائد اقتصادية.

مراجعة الجدوى

ولا تقتصر آثار ارتفاع أسعار النفط السلبية على زيادة المصروفات العامة أو الجارية، إنما ايضا على ما يُعرف بالمصروفات الرأسمالية، إذ تقلل الفوائض المالية من إمكانية مراجعة جدواها الاقتصادية والتنموية، لا سيما بما تحققه من عوائد في سوق العمل أو تمويل الميزانية أو الناتج المحلي الإجمالي، وهو بعبارة أدقّ يجعل الدولة أكثر ميلا لتنفيذ المشاريع بالخيارات المحدودة الفائدة، كالمناقصات العامة، مع إهمال الخيارات الأكثر نفعا كمشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والذي غالبا ما يُعطي إيرادات غير نفطية للدولة، ويجذب خبرات أجنبية ويوفّر فرص عمل في القطاع الخاص، بل ويمكن أن يعطي نماذج مهنية للدولة في معالجة انحرافات أيّ قطاع، تمهيدا لخصخصته بطريقة سليمة، وهذه فرضيات لعوائد غالبا لن تتحقق مع ميل الدولة لتنفيذ المشاريع بالطريقة التقليدية المتمثل بالمناقصات العامة، والتي أضاعت على الاقتصاد فرصا متعددة في قطاعات متنوعة، كالمطار والطاقة البديلة ومشروعات السياحة والترفيه.

ارتهان ونسيان

وكنتيجة طبيعية لارتفاع أسعار النفط، وإمكانية تحوّل العجز الى فائض، فإن هذا سيعني ارتهاناً أكبر لعائدات النفط في الاقتصاد التي تقدّر مبدئيا بـ 88 بالمئة، ويمكن أن تختم السنة المالية بحدود 93 بالمئة، وبالتالي نسيان أي خطاب حكومي يستهدف تنويع مصادر الدخل أو تحفيز الشباب الكويتيين للعمل في القطاع الخاص أو المشروعات الصغيرة، مقابل تعظيم الضغط على القطاع العام، وإهمال أي فرضيات مقترحة كإصلاح أبواب الدعوم وتوجيهها للمستحقين، وينمّي الاعتقاد الخاطئ بأن المال يمكن أن يعوّض القصور في تقديم الخدمات القاصرة، كالسكن، أو التعليم، أو الصحّة، وحتى خدمات الطرق.

أضرار اقتصادية

كما أن لارتفاع أسعار النفط أضرارا ذات أبعاد اقتصادية على الكويت، فهو من ناحية مرتبط بآثار تضخمية من جهة ارتفاع تكاليف الإنتاج والتأمين والشحن، بالتالي يرفع الأسعار النهائية للسلع، خصوصاً مع اعتماد البلاد شبه الكلي على الاستيراد، لا سيما السلع الغذائية والدوائية والاستهلاكية، ومن ناحية أخرى يؤخّر فهم الإدارة الحكومية للتحولات التي طرأت على سوق النفط من إنفاق مالي وتطوّر تكنولوجي لخدمة التوجهات البيئية والسياسات المناخية، بما يدعم نمو الاستثمارات الخضراء وسياسات تصفير الكربون وتنامي استهلاك السيارات الكهربائية، ومن ناحية ثالثة ربما أكثر خطورة من كل ما سبق، فإنّ ارتفاع أسعار النفط يعطي شعوراً زائفاً بالوفرة المالية، وأن الأسعار الحالية الاستثنائية لبرميل النفط هي أسعار مستدامة، وليست ناتجة عن حرب غير مسبوقة، واتفاق خفض إنتاج استثنائي ترتبت عليهما سياسات وإجراءات وأسعار من الصعب تكرارها أو ضمان استمرارها.

عندما يكون ارتفاع أسعار النفط مثار قلق على مالية الدولة واستدامتها، فهذا يعني أن المرض الكويتي - على غرار المرض الهولندي المعروف في النصف الثاني من القرن الماضي - قد تمكّن من جسم الاقتصاد، وبالتالي، فإنّ الأموال الاستثنائية إما أن تكون وسيلة لعلاج لا يزال متاحاً، أو أن تتحوّل إلى مسكّنات وقتية تجعل أي علاج مستقبلي أكثر صعوبة وإيلاماً.

back to top