بقايا خيال: «ما فيش فايدة يا صفية!!»

نشر في 11-11-2022
آخر تحديث 10-11-2022 | 18:55
 يوسف عبدالكريم الزنكوي جرت العادة وحسب الدستور أن تعد الدولة مشروع الميزانية السنوية الشاملة لإيراداتها ومصروفاتها وتقدمه إلى مجلس الأمة قبل انتهاء السنة المالية بشهرين على الأقل، لفحصها وإقرارها، فقبل سنوات عدة كانت الحسابات الختامية للدولة تنتهي في 30 يونيو أو الأول من يوليو من كل عام، وقد صدر قانون بتغيير السنة المالية للدولة لتكون في 31 مارس أو الأول من أبريل من كل عام، وحدث هذا لأن غالبية النواب مستعجلون للاستفادة من عطلة البرلمان الصيفية الطويلة، مع الرغبة بعدم «كروتة» مناقشة الميزانية كما كانت الحال في السنوات السابقة التي تلت التحرير.

إلا أن «سالفة الكروتة» هذه وسلق الميزانيات ومناقشة بنودها بشكل متسارع استمرت حتى بعد تغيير السنة المالية للدولة والتي صارت بعيدة زمنياً عن العطلة الصيفية، وكأننا لا طبنا ولا غدا الشر، ولم يستبعد كثيرون أن يستمر تعامل البرلمانيين الحاليين بالطريقة نفسها، خصوصاً أن أعضاء لجنة الميزانيات غير متخصصين لا في المحاسبة ولا حتى في القانون، لأننا أمام نواب «يا دوب يفكون الخط» لمصطلحات المعايير المحاسبية والمعادلات الرياضية لفهم ما وراء الأرقام المليارية، إلا من رحم ربي.



فاليوم نجد أن اثنين من أعضاء لجنة الميزانيات البرلمانية متخصصان في الشريعة، واثنين متخصصان في الهندسة، وواحد في الحقوق وآخر في الكيمياء وثالث في إدارة الأعمال، فكيف يستطيع هؤلاء التعاطي مع تقارير مالية حتى لو كانت لمؤسسة فردية صغيرة، فما بالك بميزانية دولة؟ وما بالك بقراءة فاحصة لمئات الصفحات المليئة بالأرقام والمصطلحات المحاسبية خلال ساعات معدودة، في وقت يجبر الدستور مجلس الأمة على مناقشة الميزانية باباً باباً؟

وإذا كان الشعب الكويتي يعلم أن عضوية اللجنة البرلمانية الحالية للميزانيات ما هي إلا نتيجة حتمية لمخرجات ذلك الاجتماع التنسيقي المسخ الذي عقد في منزل أحد أعضاء اللجنة قبل افتتاح مجلس الأمة، وهو أمر في غاية الغرابة، فإن الأغرب من ذلك تقارير الميزانيات الحالية التي تداولها النواب، فهي التقارير ذاتها التي قدمتها حكومة صباح الخالد وأسقطتها إرادة شعبية، فتأتي الحكومة الحالية التي وضع الشعب فيها كل ثقته لتقدم هذه التقارير المالية نفسها للبرلمان للموافقة عليها، دون أن تجري الحكومة الحالية عليها أي تعديل أو إضافات أو ملاحظات، وكأن الحكومة الحالية تغيرت في الأشخاص لا في الرؤى والطموحات.

عدد غير قليل من النواب ناقش مسألة عدم عرض هذه التقارير المالية على لجنة الميزانيات، ولم تقدم ملاحظات بشأنها، مما يعكس سلوكاً برلمانياً شديد الخطورة، وناقشوا مسألة ضيق الوقت وضرورة سحب تقارير الميزانيات لقراءة مئات الصفحات المليئة بالأرقام باستفاضة ومن ثم مناقشتها في المجلس، لأنه لا يجوز أن يقر أو يناقش البرلمان ميزانية بعشرات المليارات لم يطلع عليها أحد من الأعضاء، فيتعذر الرئيس بالتمسك باللائحة وأنه «كان بإمكان الإخوة أعضاء اللجنة أن يسحبوا التقارير لكنهم لم يفعلوا، ولذلك تعرض على البرلمان».

هل نحن أمام وجه آخر للمجلس السابق مع تغير بعض الوجوه البرلمانية السابقة نفسها؟ أم أن مفهوم التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية يفسر بحرية تقديم الحكومة «لأي موضوع» ليوافق عليه البرلمان دون أن يمر على لجانه ودون مناقشته في القاعة؟

back to top