لماذا لا يثق الكويتيون بالقطاع الخاص؟

• نقاشات خصخصة «الكويتية» ومشاركة «الزور» وتأسيس «التخزين» بيّنت أزمة الثقة العميقة
• سيطرة الحكومة على الاقتصاد ومحدودية النماذج المشجعة للقطاع الخاص ساهمتا في زيادة الفجوة

نشر في 07-09-2023
آخر تحديث 06-09-2023 | 20:40
محمد البغلي
محمد البغلي
رغم عدم وجود آليات واضحة لقياس الرأي العام في الكويت، فإنّ مؤشرات عدم ثقة معظم الكويتيين بالقطاع الخاص لا تكاد تتوقف أمام أي قضية ربما تكون معالجتها الحقيقية من خلال قطاع خاص يملك أو يدير أو يشغّل قطاعاً أو منشأة ما، في ظل وجود ضوابط تنظيمية من الدولة.

فخلال شهر مضى، شهدت الساحة الاقتصادية المحلية مجموعة من النقاشات البرلمانية أو النقابية، أو من خلال وسائل التواصل ذات العلاقة بملكيات وإدارة الحكومة بقطاعات مختلفة، مقابل تساؤلات حول كفاءة القطاع الخاص وقدرته على تملّكها وإدارتها بشكل أفضل أو أسوأ، ومدى قدرته على تقديم خدمة أو إنتاج أفضل من عدمه، إذ دارت النقاشات عديدة حول 3 قضايا؛ الأولى مخاوف عدد من نواب مجلس الأمة من خصخصة شركة الخطوط الجوية الكويتية، والثانية إعلان وزير النفط سعد البراك عن مصاعب إشراك القطاع الخاص كشريك استراتيجي في مشروع تكرير البتروكيماويات بمجمع الزور التابع لشركة كيبك، أما الثالثة، فتمثلت في تأسيس الدولة - من خلال الهيئة العامة للاستثمار - الشركة الكويتية للتخزين، كمنافس لشركات المخازن والخدمات اللوجستية المملوكة والمدارة من القطاع الخاص في نفس اختصاصاتها وأعمالها.

أسباب عدم الثقة

ولسنا في معرض تحليل كل مشروع أو صفقة مما ذكر أعلاه ببيان أفضلية ملكية أو إدارة القطاع الخاص من عدمه، فهذا مبحث يتطلب تفصيلاً ربما يختلف التقييم فيه من قطاع إلى آخر، إنما اتخاذ الموقف المؤيد للملكيات الحكومية في «الكويتية - الزّور - التخزين» كمدخل لتحليل أسباب عدم ثقة معظم الكويتيين بالقطاع الخاص، ورفض أي فكرة لخصخصة أي قطاع حكومي، رغم تنامي الشكوى من الإدارة الحكومية، فضلاً عن أن النماذج الناجحة عالمياً هي في سوادها الأعظم شركات ومشاريع خاصة لا حكومية.

ضعف ثقة المجتمع بالقطاع الخاص ليست مناسبة لتراشق التهم بل إشارة إلى حاجة ملحّة لتنمية الثقة على مراحل متدرجة

وفي الحقيقة، يمكن تحليل أسباب عدم ثقة معظم الكويتيين بالقطاع الخاص وفقاً لعاملين؛ الأول: سيطرة القطاع العام على المشهد الاقتصادي في البلاد، والثاني عدم وجود نماذج مشجعة للقطاع الخاص يمكن الاستدلال بها كبديل عن الملكية أو الإدارة الحكومية.

«عدوّ ما يجهل»

فوفق البيانات الرسمية للإدارة المركزية للإحصاء في الربع الأول من العام الحالي، فإن القطاع العام يوظّف 83.9 بالمئة من قوة العمل الكويتية، أي 373 ألف موظف، في حين أن الكويتيين في القطاع الخاص يشكّلون 16.1 بالمئة، أي 71.7 ألفاً، والنسبة في التزايد مستمرة لمصلحة القطاع العام، فضلاً عن أن الخدمات الأساسية المعتادة في البلاد من صحة وتعليم وإسكان وطرق، بل وحتى الخدمات الغذائية، كالتمويل و»المطاحن»، وتوزيع مواد البناء، وغيرها، هي خدمات حكومية بشكل شبه كامل، وكما قيل «الإنسان عدو ما يجهل»، بالتالي فمهما تردت هذه الخدمات الحكومية أو تدهورت، فإن الرغبة في تغيير مشغلها أو مقدمها تظل ضئيلة، خوفاً من «مستقبل مجهول» ليس بالضرورة مخاوفه مستحقة، لكن لا يمكن تجاهلها ولا تقليل أثرها في اتخاذ أي قرار.

الممارسات الاحتكارية كالمتاجرة بأملاك الدولة أو عقود «الإيجار بالباطن» أو المتاجرة بالإقامات والعمالة رسّخت صورة سيئة عن الخصخصة



وزن وإخفاق

وبالتالي، فإن وزن الحكومة في الاقتصاد المحلي الذي يناهز 70 بالمئة، في ظل تدفق الإيرادات النفطية وتنامي المصروفات، يجعل الرغبة في التغيير بأدنى مستوياتها، خصوصاً في ظل فشل مؤسسات الدولة ذات الاختصاص خلال السنوات الماضية كهيئة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والجهاز الفني لمشاريع التخصيص، في تقديم نماذج جيدة للخصخصة في قطاعات «سهلة»، كالبريد والأندية الرياضية والسياحة تقدم نماذج جيدة للمجتمع عن التحول الى القطاع الخاص، وتعطي الدولة خبرات أكبر من ناحية دورها كجهة تنظيمية حاكمة في العلاقة بين المشغل والعميل، فضلاً عن أن إخفاق الصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في مهامه الخاصة بتأسيس سوق كبير لمشاريع الشباب - رغم ضخامة رأسماله البالغ مليارَي دينار - أدى إلى عدم ثقة الشباب الكويتيين بالعمل الخاص والقطاع الخاص عموماً، وهو هدف معاكس لأحد أغراض إنشاء الصندوق، وهو خلق رأي عام داعم للقطاع الخاص من خلال دخول المشاريع الصغيرة في مصالح كل بيت وأسرة، وبالتالي يكون هناك نقاش أوسع حول تحسين بيئة الأعمال وتطوير الإجراءات وتسهيل عمليات الخصخصة وفقاً لقواعد الحوكمة والشفافية، وهذه كلها أهداف لم تتحقق، نتيجة فشل المؤسسات الحكومية المعنية.

مساهمة ضئيلة



غير أن المشكلة ليست حكومية خالصة، إنما يتحمّل القطاع الخاص جانباً مهماً منها، فهو كقطاع غير مشجع في أن يكون نموذجاً بديلاً عن الملكية أو الإدارة الحكومية، خصوصاً من جهة فائدتها المالية أو الاقتصادية للدولة، فالشركات المساهمة وفقاً لبيانات الحساب الختامي للسنة المالية 2022 - 2023 تدفع ضرائب «دخل وأرباح ومكاسب رأسمالية على شكل «زكاة - دعم التقدم العلمي - ضريبة العمالة الوطنية) بحدود 164 مليون دينار سنوياً، أي لا يزيد على 0.56 بالمئة من إجمالي إيرادات الميزانية، و7.8 بالمئة من إجمالي الإيرادات غير النفطية، وهي نسب ضئيلة ربما الأدنى بالعالم تضاف إلى ما ذُكر سابقاً من توظيف 16.1 بالمئة فقط من قوة العمل الكويتية في القطاع الخاص.

المطلوب تحسين بيئة الأعمال وخلق فرص وفق معايير حوكمة متراكمة بعيدة عن الاحتكار



اعتماد واحتكار

بل إن اعتماد القطاع الخاص على الإنفاق العام وتركّز أعمال الشركات والقطاعات المختلفة على مناقصات الدولة وأملاكها لا شك في أنه عزّز من النظرة المجتمعية لما يمكن وصفه بريعية القطاع الخاص والاتّكال على الإنفاق الحكومي العام كعنصر شبه وحيد لتحريك أعمال الشركات، إذ أننا لو ألقينا الضوء على تمويلات المصارف لمشاريع الشركات فسنجد أن تعاملات ما يتجاوز 90 بالمئة من تعاملات مشاريع القطاع الخاص هي في الأصل مشاريع أو مناقصات حكومية، وبالطبع دون انعكاس ملموس على صعيد الاحتياجات الاقتصادية أو المالية للبلاد، كتنمية الإيرادات غير النفطية، أو رفع نسبة العمالة الوطنية.

فضلاً عن أن ثمّة ممارسات احتكارية كالمتاجرة بأراضي أملاك الدولة المخصصة للمصانع أو التخزين، أو إعادة تأجيرها وفق عقود «الإيجار بالباطن»، أو المتاجرة بالإقامات والعمالة، رسّخت صورة سيئة عن القطاع الخاص لدى شريحة كبيرة من المجتمع، وبالتالي بات الحديث عن أن هذا القطاع كبديل للقطاع الحكومي، مهما كانت جودته ضعيفة، أشبه بالقفز إلى المجهول لا يريد أحد المغامرة بشأنه.

إخفاق صندوق المشروعات الصغيرة في مهامه لتأسيس سوق كبير لمشاريع الشباب ساهم في ضعف الثقة بالعمل والقطاع الخاص



معالجة لا تراشُق

ولعله من المفيد القول، إن ضعف ثقة المجتمع بالقطاع الخاص ليست مناسبة لتراشق التهم أو التشفي أو حتى التضييق والانتقام، إنما إشارة إلى حاجة ملحّة لتنمية هذه الثقة على مراحل متدرجة من خلال معالجة أوضاع القطاع الحكومي ليصبح قادراً على تنظيم الاقتصاد، ومراقبة أي انحرافات محتملة فيه، بالتوازي مع إعادة تنظيم القطاع الخاص ليكون قادراً على التشغيل والتنفيذ، مع تحسين بيئة الأعمال وخلق الفرص وفق معايير حوكمة متراكمة بعيدة عن أوجه الاحتكار والاتكال على القطاع العام، حتى تصبح لدينا ممارسة مهنية تغيّر من رأي المجتمع بالقطاع الخاص، وتجعل إمكانية إدارته للمرافق والخدمات العامة أكثر قبولاً متى ما تمت معالجة الاختلال في القطاعين العام والخاص.

back to top