وهم الطاقة البديلة

نشر في 07-09-2023
آخر تحديث 06-09-2023 | 18:30
د. عبدالسميع بهبهاني
د. عبدالسميع بهبهاني
 د. عبدالسميع بهبهاني

مشروع «الطاقة البديلة» بدأ قديما (قبل 30 سنة) وأول ما ترجم إلى قرارات كان في مؤتمر كيوتو اليابان (1997)، الذي استنتج ان «التلوث البيئي» منبعه كربون الطاقة الأحفورية (نفط، غاز، فحم) وحمل مسؤولية ذلك الدول «الصناعية»! أتبع ذلك المؤتمر بمؤتمر باريس (2015)، حيث أضاف الى التلوث البيئي، ارتفاعاً حرارياً للأرض، وتغيراً مناخياً، منبعه كربون الطاقة الأحفورية وحمل مسؤولية ذلك بالإضافة الى الدول الصناعية، دول انتاج الطاقة الأحفورية.

وُضِعت للمؤتمرين ميزانيات لبدائل الطاقة وفرضت ضرائب وجزاءات على الدول التي لا تتجاوب، وكان التركيز على دول «الطاقة الأحفورية». فشلت سبل فرض القرارات على الطاقة الأحفورية، وذلك لعدم منطقيتها، وتبريراتها العلمية والاقتصادية. استعملت تبريرات متعددة لإقناع دول الطاقة الأحفورية والصناعية بأهمية «الطاقة البديلة» أو ما يعبر عنها بـ «النظيفة»! فتارة تهديد بسرعة نمو أبحاث واستعمالات البديلة وتفوقها، وأخرى بقلق نفاد المخزون الأحفوري، وتارة في مؤثرات التغير المناخي، وتارة بالتلوث البيئي، وأخيرا بأسعار الطاقة الأحفورية المتصاعدة.

كتبت في «الجريدة» عدة مقالات عن مبالغات تلك المزاعم. أبحاث الطاقة البديلة التي تجاوزت العشرة تريليون دولار، لم تسلب أكثر من 1 في المئة من استهلاك الطاقة الأحفورية، فالمخزون الأحفوري (النفط والغاز) تجاوز 6 تريليون برميل مكافئ (باستثناء النفط الحجري)، والاستكشافات الجديدة مستمرة، وإذا أضفنا الفحم الى المخزون الأحفوري، فإنه يتجاوز 12 تريليون برميل مكافئ للطاقة الأحفورية.

إن نظرية التغير المناخي بسبب كربون الوقود الأحفوري فيها هشاشة، ان لم تكن أكذوبة، علمية ولا ادل على ذلك من ارتفاع درجة حرارة الأرض درجة (°c1.16) مئوية، في وقت انخفاض الانبعاثات الكربونية 7 في المئة (ما يعادل 2.4 مليار طن متري)، ذلك حينما أغلقت 70 في المئة من مصانع والنقل العالمي خلال فترة جائحة كورونا في 2020. قد كتبت مسبقا في “الجريدة” أن ارتفاع حرارة الأرض ليس بسبب ارتفاع انبعاثات الكربون، بل العكس هو الصحيح. اما التغير المناخي فهو ظاهرة أصلها جيولوجي (ما يعبر عنها بالنينو والنينا) وليس للتغير البيئي. اما عن تقدير دمار التلوث البيئي فهو في استخراج مواد محركات الطاقة البديلة (معادن وتعدينها وغيرها) وهو ما يؤدي إلى دمار أكبر من آثار الطاقة الأحفورية.

أما تبرير التحول الى الطاقة البديلة بارتفاع أسعار الطاقة الأحفورية فهو لأسباب الغلاء المنتشرة في أوروبا والولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى، فهي معادلة معكوسة! لأن الطاقة البديلة بمحتواها معرضة لفشل أكبر تبعا لمعدلات الغلاء، بينما نجد أسعار النفط استقرت بمنحنى افقي خلال الثلاثين سنة الماضية رغم تصاعد نسب الغلاء. فدولار الـ 2005-2015، على سبيل المثال، قيمته الحالية 1.57 دولار فعندما نطبق نسب غلاء السلع على النفط يفترض ان تكون قيمة البرميل في 2023 بين 160 و230 دولارا. فالنفط متوازن بين العرض والطلب، بفضل تحالف «أوبك». إضافة الى ذلك إذا ما قورنت كلفة الكيلو وات للساعة في نصف الكرة الجنوبي، نجدها أعلى على المستهلك في الطاقة البديلة. اما المناخ والصفاء البيئي فليس سببا حقيقيا لإيجاد طاقة بديلة، فمن الملاحظ في السنوات الثلاثين الماضية انه في فترة الازدهار يهتم الجميع بالبيئة، ولا أحد يهتم بالاقتصاد، وعندما يظهر الركود فلا أحد يهتم كثيرا بالبيئة والجميع قلقون بشأن الاقتصاد! فسبب التوجه الى الطاقة البديلة لا يمكن ان ينافس الأحفوري، ولعله البعد الجيوسياسي لانهيار التصنيع في الدول السبع الصناعية، بتعطل 60 في المئة من مصافيها، كذلك الانهيار الاقتصادي لأوروبا، من معدل نمو 4 في المئة إلى 0.8 في المئة خلال ثلاث سنوات فقط.

عودة إلى سياسة الطاقة في دولة الكويت ضمن المنظومة العالمية، فمن الثابت أنه لا جدوى اقتصادية ولا استراتيجية في استعمال الطاقة البديلة من هواء، وهيدروجين، ولا حتى في الألواح الشمسية الضوئية. هناك جانب اقتصادي، جيوسياسي لا ينكر للطاقة البديلة في الكويت، أرجو ألا تتجاوز الـ 5 في المئة لتكون لإرضاء الدول السبع وتحاشيا للجزاءات والضرائب.

البديل الاقتصادي المنطقي لسياسة الطاقة لدينا في الكويت، والذي بدأت به، ليكن بزيادة المخزون النفطي والغاز، وزيادة نسبة تصدير الخام بتعويض المستهلك المدعوم (5 في المئة) من الطاقة البديلة، في محطات ذات جدوى، كإضاءة بعض المرافق غير الأساسية، ومن ثم تعويض الفائض من الـ 5 في المئة من البديلة بزيادة نسبة المشتقات للتصدير، لزيادة ميزانية الدولة بالإضافة الى الاستثمارات في البديلة وغيرها، وإعادة برمجة دعوم الطاقة.

هذه المبالغات أرجو ألا تكون تبريراً لفشل أوروبا الصناعي ومحاولة لتحجيم القوة الصناعية القادمة من الشرق، ولعله الجانب الذي انتبهت إليه دول تحالف «أوبك» بصورة رائعة بتقنين سياسات إنتاج وحصص بين العرض والطلب.

* خبير واستشاري نفط

back to top