رياح وأوتاد: هل يودي طغيان المجلس ببرنامج الحكومة؟

نشر في 04-09-2023
آخر تحديث 03-09-2023 | 18:40
 أحمد يعقوب باقر

برنامج الحكومة ليس بجديد، وفيه تكرار لأهداف مذكورة في الخطط الخمسية السابقة التي فشلت مثل (تحويل الكويت إلى مركز تجاري ومالي جاذب للاستثمار يقوم فيه القطاع الخاص بقيادة النشاط الاقتصادي)، هذه الجملة التي تكررت عدة مرات في خطط وبرامج الحكومة السابقة دون أي جدوى.

وفي البرنامج الحالي أيضاً أهداف مكررة لم تتحقق مثل (تنويع مصادر وإيرادات الدخل)، و(خلق فرص عمل جذابة بمشاركة القطاع الخاص) و(التحكم في المصروفات والنفقات والصرف وفق أطر تقديرية حصيفة)، وهو الهدف الذي تمت مخالفته تماماً، و(هيكلة الدعومات وتوجيهها للأكثر احتياجاً)، هذا الهدف يكرر منذ الثمانينيات، و(القضاء على العجز الاكتواري واستقلالية التأمينات عن مالية الدولة) وهو الهدف الذي داست الحكومة عليه وغرس المجلس أنيابه في عروقه، و(تدشين آلية تسعير الخدمات العامة والرسوم)، وكل هذه أهداف مشكوك في قدرة الحكومة على تنفيذها بالإضافة إلى الدين العام والخصخصة.

كما يضيف البرنامج استكمال مشروعات المدن الترفيهية والمطار والبديل الاستراتيجي وميناء مبارك والسكك الحديدة، وهي مشاريع تأخرت كثيراً، ولا شك أنها تحتاج إلى مصروفات كبيرة.

والسؤال المهم: هل سيشهد الفصل التشريعي الحالي تنفيذ هذه الأهداف والأمنيات الحكومية بعد أن فشلت الحكومات والمجالس الأخيرة؟

جميع المؤشرات تشكك في إمكانية وقدرة الحكومة على تنفيذ الأهداف الرئيسة في البرنامج، وأكثر هذه المؤشرات وضوحا هي:

1- اقتراحات النواب الشعبوية الكثيرة بزيادة المصروفات المالية، والسحب من الاحتياطي، واستنزاف التأمينات الاجتماعية، وعدم قدرة الحكومة على تفنيدها والرد عليها، بل من المتوقع أن تستسلم الحكومة لها وتوافق عليها، وهي تتعارض تماما بل تحول دون تنفيذ أهم ما في برنامج الحكومة.

2- هناك تحالف ودين في رقبة بعض الوزراء لبعض النواب مما يشكك في قدرة هؤلاء الوزراء على التصدي لاقتراحات النواب، مما قد يدفع في اتجاه الموافقة على اقتراحات النواب أو على الأقل إلى حلول وسط، والذي قد يفسره المدلسون بأنه توافق بين السلطتين.

3- احتدام التنافس في الأسرة على المناصب العليا، مما قد يمنع وزراءها من التصدي للقضايا الشعبوية درءاً للتجريح الذي قد يودي بالمنصب إلى غير رجعة.

4- خلو الحكومة من المخضرمين أصحاب المواقف الصامدة والقوية تجاه استنزاف مالية الدولة، وقد يكون متعمداً.

5- الفهم الخطأ لبعض النواب بأن الملاءة الموجودة في احتياطي الأجيال قادرة على تحقيق كل اقتراحاتهم دون أي مرجع علمي لهذا الفهم البعيد كل البعد عن الإصلاح الاقتصادي.

6- الاعتقاد الخطأ أن الصرف الجاري والاقتراحات الشعبوية ستتوقف عند حد معين، وإغفالهم أن الصرف الذي بلغ أربعة مليارات في المجلس الماضي زاد شهية النواب إلى مزيد من الصرف ولم يوقفها.

7- لا تملك الحكومة الأغلبية البرلمانية لتنفيذ برنامجها أسوة بكل الدول البرلمانية في العالم، ولم تسع إلى تشكيل حكومة ذات أغلبية برلمانية وفق برنامج متفق عليه.

ومن المظاهر التي تؤكد هذا الاستنتاج:

1- عدم رد أو توضيح الحكومة في سائر أجهزتها ومستشاريها على ما يطرحه النواب من اقتراحات شعبوية كثيرة ومكلفة.

2- شلل الحكومة في الدفاع عن التأمينات الاجتماعية إزاء ما تعرضت له من هجوم على أشخاصها، واستنزاف لمواردها وتغيير لقوانينها، مما أدى إلى عجز بمقدار 24 مليار دينار وتعويضها بأراض فضاء (چول) تحتاج لكثير من الجهد والمال والوقت لاستثمارها الذي سيكون محفوفاً بالمخاطر.

3- قيام بعض لجان المجلس باستدعاء الوزراء وتوجيههم بغير تكليف أو قرار من المجلس، مثل ما حدث مع وزير الإعلام في اللجنة التعليمية، حيث تعهد لهم، بناء على طلبهم، بتعهدات لم يصدر فيها قرار من المجلس.

4- إصرار المجلس على أن تجيب الحكومة عن ملاحظات النواب على برنامج الحكومة بردود مكتوبة، في حين ينص الدستور على أن يبدي المجلس ملاحظاته على برنامج الحكومة فقط، ولم ينص على تكليف الحكومة بالرد الكتابي على ملاحظات النواب.

5- وضع النواب خريطة تشريعية تتعارض في كثير من بنودها مع برنامج الحكومة، كما ترد عليها ملاحظات مهمة تتعلق بالإصلاح والمصلحة العامة، مما قد يوحي بأن المجلس هو الذي سيقود المرحلة القادمة بطغيان، خصوصا مع تأمل المؤشرات والمظاهر السابقة رغم أن الدستور نص على أن الحكومة هي السلطة المهيمنة على مصالح الدولة.

6- لا ترد أو توضح الحكومة موقفها من الأكاذيب التي تطرح يومياً في وسائل التواصل، كما لم تدافع الحكومة عن القضاء عندما تم الهجوم عليه في المجلس.

7- الخطأ الفادح الذي ارتكبته الحكومة في تقنين المادة (80) من قانون التأمينات لصرف معاشات استثنائية للوزراء والنواب والعسكريين وغيرهم، مع أنها مادة وضعت لمقابلة ضرورات لم يعد لها وجود اليوم.

8- إلغاء كثير من الضوابط السابقة التي تشكل قواعد عامة لتعيين القياديين وعودة التعيينات البراشوتية.

هكذا يتبين أنه لا شيء ينبئ بنجاح تنفيذ الأهداف الأساسية في برنامج الحكومة التي أهمها الإصلاح الاقتصادي وزيادة الدخل والإيرادات والتحكم في المصروفات بحصافة وخلق الوظائف الجذابة للشباب في القطاع الخاص، وأن ما قد ينفذ هو بعض المشروعات غير المختلف عليها مثل ما تم في دور الانعقاد الأول، وكذلك (الضرورية) التي تأخرت وزادت كلفتها مثل السكك الحديدية والمدن الترفيهية، وكذلك قد توافق الحكومة على بعض المشروعات الشعبوية التي ستزيد المصروفات الجارية كي تستمر في مقاعدها، أما مشاريع التنمية المستدامة والإصلاح الاقتصادي الحقيقي وإيقاف مشاريع الإفساد الاقتصادي فكل المؤشرات والمظاهر تدل حتى الآن على عدم تنفيذها نظراً لاختلاف أهداف معظم النواب واقتراحاتهم مع هذه الأهداف الواردة في البرنامج، وكذلك بسبب هيمنة الطرح الشعبوي غير العلمي وطغيان المجلس الذي يقابله ضعف الحكومة وصراعاتها.

أرجو أن تثبت الحكومة ويثبت النواب خطأ هذه المظاهر والمؤشرات.

back to top