«القاهرة - بريكس»... حتى لا تكون «ذهاب وعودة»

• كيف تصبح مصر حليفاً معتبراً بالقدر الذي لا يتنافى مع دلالات قبولها ولا يقلل من ثقل مقوماتها الاقتصادية؟

نشر في 30-08-2023
آخر تحديث 29-08-2023 | 18:35
 بريكس
بريكس
يبدو أن هناك ما يعكس توجهاً بالتعامل مع «بريكس» كـ«حلف دائن»، تصبح فيه القاهرة عبئاً عليه لا حليفاً، وتصبح عضويتها فيه عبئاً إضافياً على اقتصادها، لا فرصة لمعالجة أزماته، وحتى لا يكون الطريق إلى بريكس «ذهاب وعودة»، عليها أن تتجنب الوقوع في فخ التعامل مع ذلك التحالف من موقع المستدين، بل يجب أن تعي دلالة قبول عضويتها، وتستثمرها من موقع الحليف، الذي يفيد بقدر ما يستفيد.

في أواخر عام 2004، توصلت بعثة من وكالة الإحصاء الأوروبية (يوروستات) إلى أن انضمام اليونان لمنطقة اليورو عام 2001 استند إلى أرقام زائفة عن الميزانية أظهرت أن العجز العام أقل مما كان عليه في الواقع بالسنوات السابقة على ذلك، وأنه حتى في السنوات الحاسمة كان العجز أعلى بكثير من نسبة%3 من إجمالي الناتج المحلي، وهي النسبة التي حددتها معاهدة ماستريخت كحد أقصى للعجز في الميزانية للتأهل للانضمام إلى الوحدة النقدية الأوروبية، بينما في الحقيقة بلغت نسبة العجز%44.6 في عام 1997، و%13.4 في عام 1998، و%38.3 في عام 1999.

وعرض حينها، التقرير، على وزراء مالية الاتحاد الأوروبي دراسة إجراءات عقابية ضد أثينا. وظلت أوروبا، منذ ذلك الحين، تستعد لاحتمال خروج اليونان من منطقة اليورو بخطط طوارئ لمواجهة مثل هذا السيناريو، بينما تتفاوض أثينا مع الشركاء الأوروبيين لتمديد فترة القروض الممنوحة لها.

السيناريو الآخر، والذي فضلته أوروبا كان إنقاذ اليونان، أو بالأحرى إنقاذ نفسها، حتى لا ينفرط عقد اليورو في أسوأ الأحوال، أو في أحسنها، تخفيض تصنيف دول التكتل الاقتصادي.

بالطبع، تختلف حيثيات وظروف ومصوغات انضمام مصر إلى تحالف «بريكس»، فالمؤكد أن دول التحالف المؤسسة استندت إلى العديد من الاعتبارات عند قبول عضوية الدول الست، ومن بينها مصر، حيث كانت أعربت أكثر من 40 دولة قبل بدء القمة السنوية للتكتل عن اهتمامها بالانضمام إلى «بريكس»، في حين تقدمت 23 دولة بطلب رسمي للانضمام.

وقالت وزيرة الخارجية الجنوب إفريقية ناليدي باندور، إنه تم اختيار الأعضاء الستة بعد أن «توصلت دول بريكس إلى توافق في الآراء بشأن المبادئ التوجيهية والمعايير والإجراءات لعملية توسيع التكتل»، وهو ما يتماشى، بالطبع، مع سعي الكتلة إلى إنشاء «تحالف قوي» من الدول النامية التي يمكنها وضع مصالح الجنوب العالمي بشكل أفضل على جدول أعمال العالم.

لكن، ورغم ذلك، يثير الوضع الاقتصادي الحالي لها تخوفات بشأن تكرار سيناريو اليونان التي انضوت في «اليورو» طمعاً في إنقاذ اقتصادها المتداعي، فأصبحت عبئاً على التحالف، لا عضواً مكملاً ومتحالفاً، وهو الأساس الذي تقوم عليه تلك التحالفات الاقتصادية.

فالاقتصاد المصري يعيش، في الوقت الحالي، أسوأ أزمة عملات أجنبية منذ سنوات، ويعاني من شح السيولة الدولارية، كما أنه مثقل بالديون، بعد أن تضاعف حجم الاقتراض الخارجي 4 مرات على مدى السنوات الثماني الماضية، ليرتفع الدين الخارجي المصري إلى 165.361 مليار دولار بنهاية الربع الأول من العام الحالي، بزيادة قدرها 1.5 في المئة (أو ما يعادل 2.43 مليار دولار) مقارنة بالربع الأخير من عام 2022 عندما سجل 162.928 ملياراً، وفقاً لبيانات وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية المستندة لإحصاءات البنك المركزي المصري.

ومع تعثر المحاولات الحكومية المصرية لجمع السيولة، وضغط المستثمرين لتوفير العملة الأجنبية، وازدياد المخاوف بشأن قدرة مصر على سداد ديونها الخارجية، كانت للمخاوف بشأن سيناريو اليونان في «اليورو» مشروعيتها، تلك المخاوف التي عززها تصريح رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، بمجرد الإعلان عن انضمام مصر للتحالف، بأن مصر تتطلع إلى الحصول على قروض ميسرة من بنك بريكس للتنمية، والذي تم تأسيسه نتيجة هذا التحالف، ويعمل على دعم المشروعات العامة أو الخاصة من خلال الضمانات والقروض والمشاركة في رأس المال، لتتواتر بعد هذا التصريح آراء وتصريحات خبراء اقتصاديين، ربما تعكس توجها بالتعامل مع «بريكس» كـ«حلف دائن» تصبح فيه القاهرة عبئاً عليه لا حليفاً، وتصبح عضويتها فيه عبئاً إضافياً على اقتصادها، لا فرصة لمعالجة أزماته، وحتى لا يكون الطريق إلى بريكس «ذهاب وعودة».

إذن، على القاهرة أن تتجنب الوقوع في فخ التعامل مع ذلك التحالف من موقع المستدين، بل يجب أن تعي دلالة قبول عضويتها، وتستثمرها من موقع الحليف، الذي يفيد بقدر ما يستفيد، فهي على سبيل المثال، ومن الناحية الجغرافية، تخدم رغبة التحالف في التوسع باتجاه إفريقيا والعالم العربي وآسيا، عن طريق قناة السويس، بالإضافة إلى مشروع «القاهرة - كيب تاون» الذي بدأت العمل فيه عام 2021 ليربط بين شمال القارة الافريقية بجنوبها عبر 10 دول إفريقية، ومن المقرر أن يتم تنفيذه بنهاية عام 2024، كما يمكن أن تستفيد مصر بكونها مقصداً ذا ميزة تفضيلية لمستثمري وسائحي الدول الأعضاء، ما يساعد على حل أزمة النقد الأجنبي في البلاد.

كما يجب أن تتضمن الأجندة المصرية في هذا التحالف تقليص العجز التجاري بينها وبين الدول الأعضاء، إذ تشير بيانات صادرة عن البنك الدولي إلى فارق هائل في الميزان التجاري بين مصر والدول المؤسسة للتحالف، ففي عام 2021 بلغت وارداتها من الصين ما قيمته 18.1 مليار دولار، بينما صدرت إليها ما قيمته 1.17 مليار دولار فقط، كما يبلغ العجز التجاري مع الهند، خلال نفس العام ما يزيد على الملياري دولار لصالح الأخيرة، أما مع روسيا فيبلغ العجز التجاري نحو 2.5 مليار في السنة نفسها، ومع البرازيل يميل الميزان التجاري لصالحها بنحو 1.5 مليار، أما جنوب إفريقيا فقد صدرت لمصر في 2021 ما قيمته 120 مليون دولار، واستقبلت منها سلعا بقيمة 11.5 مليون دولار، وهو ما يعني أن التبادل بالعملات المحلية لا يزال غير واقعي، فهي لا تصدر ما يضمن لها حصيلة من عملات تلك الدول تغطي احتياجاتها للاستيراد منها، وهو الفارق الذي سيكون على مصر تعويضه ربما بالدولار.

ومن الضروري أيضا تأمين السلع الاستراتيجية، كالقمح من روسيا والأرز من الهند بعملات هذه الدول، وأيضاً فتح قنوات استثمار جديدة، واستثمار فرص تنوع الخيارات الاستراتيجية التي سيوفرها لها التحالف للتخفيف من آثار الضغوط الاقتصادية، فيما يتعلق بخفض الطلب على الدولار عبر أنظمة الدفع البديلة، خاصة أن مصر تعاني من أزمة دولار نتيجة الفجوة بين الطلب على العملة الصعبة والمعروض منها، وبالتالي سيخفف انخفاض الطلب على الدولار من حدة أزمة النقد الأجنبي ويقلل الفجوة التمويلية في مصر.

وختاماً، فالقصد أن تحقق مصر تقارباً واندماجاً اقتصادياً مع دول التحالف لتشكيل كيان اقتصادي قادر على تحقيق أهدافه، تفيد وتستفيد، تعي دلالة الموافقة على انضمامها، فتضيف إليه بقدر ما تمتلك من مقومات اقتصادية أهلتها لهذه العضوية، وتستثمرها بالقدر الذي يجعلها حليفاً معتبراً، لا يتنافى مع دلالات قبولها ولا يقلل من ثقل مقوماتها الاقتصادية.

back to top