مقبرة الأشجار في بلدي... أرواح بلا صوت

نشر في 18-08-2023
آخر تحديث 17-08-2023 | 17:54
 د. ريم عبدالرحمن العوضي

الكثير من الأشجار تعيش وتعمر لسنوات عديدة، والقليل منها يموت من المرض في حال كان المرض قاتلاً، وتنمو الأشجار التي تنمو أيضا في التربة الفقيرة بشكل أبطأ من تلك التي تنمو في التربة الغنية، لكن ليس بالضرورة أن يكون عمرها أقصر، فمثلاً في المدن وبعض المناطق الحضرية حيث تكون المساحة المناسبة لنمو الجذور محدودة تكون حياة الأشجار أقصر ولا يعني هذا موتها بصورة مفاجئة.

إذاً ما السبب الأساسي لموت الأشجار؟

تنمو الأشجار لأنها تنتج طاقة كافية لإنتاج خلايا جديدة، وما لم تمت الأشجار مباشرة بسبب المرض، فإنها ببساطة تموت من الجوع فتهلك وتصبح هيكلاً جافاً، وهذا للأسف ما حدث لآلاف الأشجار بشتى أنواعها في مختلف محافظات الكويت بصمت ولا مبالاة ودون أن يلتفت مسؤول نحو هذه الكارثة البيئية.

المشكلة ليست في جفاف الأشجار وموتها والشكل غير الحضاري والكئيب لمنظر هلاكها فقط، بل المشكلة الكبرى في ضياع وهدر الطاقة التي تم استثمارها لزراعة ونمو هذه الأشجار على مدى عقود عدة، هذه الطاقة عبارة عن كميات هائلة من مياه الري وأسمدة تغذية وأيد زراعية عاملة ومعدات صيانة وسيارات نقل وري وغيرها من موارد تكلف الدولة مبالغ طائلة، كلها ذهبت هباء منثوراً بسبب تقاعس الجهات المسؤولة وإهمالها كهيئة الزراعة والثروة السمكية في أداء مهامها للحفاظ على الغطاء النباتي في البلد.

ولا أناقش هنا الجدوى الاقتصادية أو استدامة الزراعة التجميلية والتشجير ضمن المعطيات الطبيعية لمناخ الكويت الجاف والحار، المهم الآن كيف نتعامل مع واقع الأشجار الموجودة، وكيف نحميها من الهلاك بطرق صديقة للبيئة ومجدية اقتصاديا، فهناك عدة حلول علمية وتقنية لمواجهة موت الأشجار وحمايتها من الجفاف، منها أساليب الري الحديثة وتوقيتها، وتشجيع زراعة النباتات الفطرية المحلية، ووضع برنامج وطني شامل وجاد للتشجير مع ضوابط قياس الأداء والجودة.

ما هو محزن ومؤلم ومخز حقاً هو موت هذه الأشجار على هذه الأرض التي استثمرت الكثير لتنمو وتكبر، فهل لهذه الأشجار قيمة معنوية أو حسية أو حتى مادية لدى المسؤولين أو أفراد المجتمع؟

رغم فوائد الأشجار كتنقية الجو وخفض حرارته وتجميل المرافق العامة والطرقات وتحسين الصحة النفسية، نجد أن واقع فقد هذه الأشجار بمختلف أنواعها سواء من خلال جفافها أو إزالتها بدون إعادة زراعتها في مواقع أخرى وموتها نهجاً سائداً في الكويت، ومنظراً لا يغيب عن أي أحد بمجرد خروجنا من منازلنا.

الشجرة كائن حي عظيم، ولها عطايا بلا حدود وشموخ جميل في شكلها وقوامها وصمودها، ولها مكانة رفيعة في ثقافات كثيرة لا سيما ثقافتنا العربية والإسلامية، فلماذا يهون علينا موتها حتى أصبحت هذه الأرض مقبرة للأشجار؟ ومتى نتحرك لإنقاذ هذه الأرواح الصامتة؟

* كلية العلوم- قسم علوم الأرض والبيئة.

back to top