ساهم أهل الكويت وشيوخها وأثرياؤها في تمويل حروبها عبر الأزمنة المختلفة، بدءاً من معركة الرقة (1767م)، مروراً بغزو إبراهيم بن عفيصان (1208هـ)، وغزو مناع أبورجلين (1211هـ)، وتهديد بندر السعدون المنتفج (في عهد الشيخ جابر الأول)، والثأر لأهل الكويت من قبيلة قتلت رجلاً من آل الدبوس الكرام (في عهد الشيخ جابر الأول)، ومساعدة الكويتيين للحكومة العثمانية في استرداد البصرة من قبائل متمردة (في عهد الشيخ جابر الأول)، ومساعدة العثمانيين في القضاء على تمرد بني كعب (في عهد الشيخ جابر الأول)، وفزعة أهل الكويت لمساندة شيخ المحمرة (في عهد الشيخ عبدالله الثاني)، ووقوف أهل الكويت مع العثمانيين والإمام عبدالله آل سعود ضد أخيه سعود (في عهد الشيخ عبدالله الثاني)، وأحداث ومعارك كثيرة بعدها، مثل معركة حمض، وهدية، والجهراء، والرخيمة، والرقعي، وغيرها... والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: مَن يمول الجيش الكويتي؟ ومن هم أفراده؟

تشير مصادر التاريخ المكتوبة والمنقولة شفوياً إلى أن الكويت لم يكن لها جيش قبل حقبة النفط، وما كان موجوداً حينئذ إنما هو مجموعة من الفداوية (حرس خاص لحماية الأمير) الذين لا يتعدى عددهم العشرات، وهم موظفون يتلقون رواتب شهرية. وعندما يقرر أمير البلاد، بعد تشاوره مع رجالات البلد وحكمائها، أنه في حاجة إلى مجموعة كبيرة لخوض معركة، فإنه يطلب من الأهالي تزويده بالشباب والرجال القادرين على حمل السلاح ويقودهم إلى أرض المعركة.

Ad

وفيما يتعلق بالتمويل المالي، فإن التجار والأثرياء يفزعون لأميرهم ويقدمون الأموال والتجهيزات لدعم الجيش الأهلي المؤقت. وقد ورد في المصادر التاريخية أن التاجر هلال المطيري جهز 200 محارب من قبيلته مع سلاحهم وعتادهم لخوض معركة الصريف، وورد أن التاجر سالم بن علي بوقماز كان يرسل أكياساً (خياش) من الأموال إلى الأمير في الحروب التي مرت في زمن الشيخ مبارك الصباح.

كويتيون يحملون الرماح والبنادق ويرقصون رقصة الحرب عام 1928 نقلاً عن كتاب «الكويت في عيون أوائل المصورين»

أما تضافر الجهود الأهلية لبناء أسوار الكويت، فالوثائق تؤكد كيف أن الكويتيين استطاعوا بناء الأسوار الثلاثة بجد وإخلاص بإدارة أهلية ومتابعة أهلية وأموال أهلية ولسان حالهم يقول: «لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً»، فهل ننسى دورهم في بناء الكويت؟! يقول العم غانم يوسف الشاهين الغانم، أطال الله في عمره، في كتابه «الكويت آثار الرعيل الأول»: «من حين ما ظهر على الوجود اسم كاظمة أو القرين أو حتى الكويت فحكام الكويت لم يأخذوا ضريبة أو إتاوة من أحد، بل كان الذي يأخذونه هو زكاة الأموال الثابتة والمتحركة، ثم ضريبة الفرضة التي تأتي من جهة البحر أو البر.... فتلك الضريبة أو الكمرك تصرف على الدفاع عن الوطن وعن شرور المتربصين للكويت من مئات السنين».

ويضيف في موقع آخر بنفس الكتاب: «فرض التجار على أنفسهم رسماً يجبى منهم ومن أصحاب الدكاكين إن كانوا تجاراً أو أصحاب مهن، فيجبى منهم برضائهم رسم شهري بقدر روبيتين أو ثلاث روبيات في الشهر يذهب منها جزء للحراسة والكتبة وقيمة الأسلحة وكل هذه الإجراءات أخذت قبل عهد الشيخ مبارك الصباح».

كان شعور أهل الكويت من أثرياء وغيرهم منذ نشأة البلاد أنهم شركاء في الحكم وأنهم يشتركون في المصير، ولذلك بذلوا الغالي والنفيس من دون تردّد، وضحّوا بأموالهم وأرواحهم من أجل رخاء الكويت واستقرارها.

يتحدث المرحوم محمد ملا حسين التركيت في مقال له في مجلة البعثة عام 1948 فيقول عن أهل العطاء والإحسان: «لذلك نعد وجودهم رحمة ونبراساً وهدى لذلك العهد، فمن الظلم أن ننسى هؤلاء وقد أسهموا بأموالهم وأنفسهم في خدمة المجتمع، لا يبتغون من وراء ذلك جزاء ولا شكوراً»... فهل ننسى دورهم؟!