الارتجال التشريعي...‏ ‏وانتهاك الدستور

نشر في 02-08-2023
آخر تحديث 01-08-2023 | 19:49
 د. محمد المقاطع

‏منذ ما يزيد على 20 عاماً وأنا أكتب عن الارتجال التشريعي، الذي يمارسه مجلس الأمة في إقراره للقوانين، مستغلاً ‏وجود أغلبية تمكّنهم من تمرير القوانين، ويبدو أن مجالس الأمة المتعاقبة دون استثناء في هذه الفترة ‏الزمنية، قد فقدت معظمها الحصافة ‏والرشد السياسي والبرلماني المعقول، فما إن تملك أغلبية داخل البرلمان، حتى ‏تسارع إلى ممارسة حالة العجلة والارتجال التشريعي لفرض الأمر الواقع في تشريعات هي تنتقيها وتضعها على رأس أولوياتها، رغم أن فيها الكثير من الجدل والاختلاف المجتمعي، بل وربما السياسي والقانوني، ومع ذلك، فإنها لا تأبه بكل ذلك، وتتدافع بكل ما تملك من تكتيك وترتيب إلى إقرار القوانين، وكأنها تقرر أمراً في خلسة وفي غفلة من الناس والزمن، كما تم في حالة إقرار القانون رقم 44 لسنة 1994، مخلفاً انتهاكاً جسيماً للدستور ولأحكامه الدقيقة والمنضبطة بشأن من هو الكويتي بصفة أصلية، والذي له الحق في الترشح فقط، كما نصت على ذلك المادة 82 من الدستور، والتي حينما وضعت كان معروفاً ومحدداً بالنسبة للآباء المؤسسين من هو الكويتي بصفة أصلية، وهو من ولد لأب بالتأسيس وفقاً للمادة الأولى، فيصبح كذلك استناداً إلى المادة الثانية من قانون الجنسية، وهو الذي تبناه الدستور حينما وضع هذا الشرط للمرشح وهو أن يكون كويتياً بصفة أصلية، لكن للأسف فإن الاندفاع التشريعي والارتجال في سن تشريعات ولّد هذا القانون «اللقيط» والذي ولد من خارج رحم الدستور، منتهكاً لأحكامه متمرداً على أصوله الواضحة والقاطعة نصاً ودلالة، ليغير صفة ثابتة بأخرى مفروضة، عبثاً بالهوية!

واستمر مسار الارتجال التشريعي سنوات بعد ذلك، في معالجات خاطئة لتداعيات أزمة المناخ وكذلك الأمر حدث في قانون الدوائر (نبيها خمس) وهي مرة أخرى كانت مثالاً لعجلة وارتجال استغلالاً لأغلبية وتوافق حكومي معها، أو قل لضعف وخنوع حكومي، ليكون هذا النظام الانتخابي المسخ والذي أساء للكويت وعبث بتركيبة مجلسها وشرعن للتشرذم والاستقطاب الفئوي قبلياً أو طائفياً أو مناطقياً.

وها نحن اليوم نرى كيف أن زهو الأغلبية ونشوتها قد وضع غشاوة على بصر الحكماء والزعامات ليجعلوا من تلك الأغلبية نقمة على البلد، فأضاعوا وجاهة وحكمة إحالة القوانين للجنة التشريعية في إدخالهم لتعديل هزيل ومشوه تحت مبرر عدم تعطّل القوانين، فأصبحت القوانين تولد أكثر عجلة وارتجالاً، تحت اعتقاد خاطئ أن عضو مجلس الأمة يشرّع للأمة ما يحلو له أو ما يصوره هو أنه الأفضل، وهو مسار منحرف وغير سديد.

وفي اعطاف هذه الأجواء صدر تعديل قانون المحكمة الدستورية المشكوك في دستوريته، والذي أهدر العديد من المبادئ الدستورية الراسخة في العدالة والمحاكمة العادلة وفصل السلطات وغيرها.

وفي هذه الأجواء الارتجالية تم إقرار قانون المفوضية العليا للانتخابات والنظام الانتخابي بشكل عليل ومنتقص ومشوه، وهو نتيجة لزهو وغرور أغلبية برلمانية غير رشيدة، كنا نسمع عنها في بعض الديموقراطيات ونراها اليوم حاضرة أمامنا، في قانون في حقيقته أقر خلسة وبالخفاء دون حوار مجتمعي بل وحتى دون استماع لرأي آخر أو لصوت الحكمة والتروي، وتم إهمال العديد من المقترحات ليقر هذا القانون خلال ساعات وبكل أسف، وسيعاني البلد من هذا القانون المسخ ما لم يتم رده من الحكومة والأمير، وهو ما نأمل معه تفعيل المادة 66 من الدستور، أو أن يتم الطعن به أمام المحكمة الدستورية لتلغيه.

والخلاصة أن الارتجال التشريعي...‏ ‏قد أفضى لانتهاك الدستور والتنكر لبعض أحكامه.

back to top