ملاحظات عاجلة على تعديل قانون المحكمة الدستورية

نشر في 27-07-2023
آخر تحديث 27-07-2023 | 13:10
 د. محمد المقاطع

العمل التشريعي ينبغي أن يكون قائماً ومبنياً على أساسيات ومقاصد وغايات التشريع، حتى يكون حيادياً موضوعياً ملتزماً بالدستور وضوابطه وحدوده، وحتى يكون في السياق الطبيعي لأصول العمل التشريعي المبرأة من الشطط أو الانحراف، والهادف دائماً إلى تحقيق مصالح عامة راجحة فلا يأتي معتلاً بالانحراف التشريعي، بسبب غايات سياسية غير سديدة، والذي هو جوهر وسبب نشأة الرقابة على دستورية القوانين في الأساس.

ورغم النوايا الطيبة لإقرار تعديل قانون المحكمة الدستورية لتحقيق إصلاحات سياسية ومؤسسية، وهو محل اعتبار، فإن التعديلات على القانون اعتورتها مثالب دستورية بشأن حق التقاضي والمحاكمة العدالة، وبشأن مبدأ الفصل بين السلطات، وبشأن غل وتقييد يد المحكمة بممارسة اختصاصها لا مندوحة من إيضاحها.

وفي ضوء ما تقدم، نسجل ملاحظات جوهرية للمثالب والعوار الذي لحق بقانون تعديل المحكمة الدستورية، لعلها تكون سبباً للعودة إلى جادة الصواب، ونهوض السلطات الأخرى لتصويبه وتعديل ما اعوج منه.

1- نص المادة 173 تبنى فكرة الرقابة اللاحقة على التشريع، وجعل سلطة المحكمة تقديرية حسب الطعن المعروض عليها، القانون قفز على فكرة الرقابة اللاحقة من جهة وصادر سلطة المحكمة التقديرية في تلك الرقابة والتي هي مناط ممارسة تلك الرقابة على نحو سليم حماية للمشروعية الدستورية، وهذا تقييد خلافاً لفكرة التأني في الرقابة الدستورية على التشريع.

2- هذا التقييد تدخل مباشر في سلطة القضاء وإجراءاته، يتجاوز على سلطة المحكمة ويتدخل في إجراءاتها خلافاً للمواد 50 و53 و115 من الدستور، ونصوص السلطة القضائية القائمة على مبادئ جوهرية منها استقلالية القضاء، وأنه أساس الملك، وسلامة الإجراءات، وتحقيق العدالة، وحماية ضمانات التقاضي والدفاع وانعقاد الخصومة والمناضلة العادلة أمام القضاء إجرائياً وموضوعياً.

3- التعدي على مبدأ الحدود الدستورية للسلطات، فالتشريع مثل القضاء ومثل التنفيذ هناك حدود دستورية يقف عندها، فالتشريع لا يستطيع أن يقتحم ميدان القضاء ويضيق عليه في نهوضه بمسؤولياته في الفصل بالمنازعات والقضايا وإلا تحول التشريع لسلطة تعلو على القضاء وكذلك على السلطة التنفيذية، والقضاء لا يملك مراقبة أعمال برلمانية خالصة أو سياسية خالصة تدخل ضمن العلاقة بين السلطتين، وإلا كنا في دولة القضاة، والتنفيذ لا يمكنه عرقلة الأحكام والتأخر أو الإبطاء بتنفيذها أو التقصير بتوفير ما يلزم من أجهزة لتعزيز العدالة التي يتولاها القضاء وكذلك السلطة التشريعية، وإلا كنا أمام سلطة تنفيذية منفردة تتحكم بالدولة، وتلك ركائز فصل السلطات والمبدأ المهم المرتبط به وهو الحدود الدستورية للسلطات.

4- المخالفة والخروج على مقتضيات حسن سير العدالة والمحاكمة العادلة بضماناتها المختلفة ومنها حماية حق التقاضي وكفالة مدد منطقية ومعقولة للطعن وكذلك ضمانات حق الدفاع، إضافة إلى قواعد أخرى مثل العدالة والتناضل في النزاع بين المتقاضين، لا متسع لذكرها بهذه العجالة، وهي ما يعبر عنها بضمانات المحاكمة العادلة.

5- الانحراف السياسي بالرغبة بتحصين السلطة التشريعية، وهو الدافع على الانحراف في الخروج على أساسيات الغاية التشريعية، والتي ينبغي أن تبتعد عن التشريعات القائمة على ردة الفعل والحماية المطلقة من الخضوع للرقابة عن طريق التعسف والانحراف في تحديد مواعيد تتنافى مع جملة من المبادئ والاعتبارات التي تهدف لها الدساتير ويستوجب أن يلتزمها التشريع.

هذه ملاحظات سريعة على تعديل قانون المحكمة الدستورية الذي وافق عليه المجلس أمس بارتجال تشريعي متأثراً بأجواء الاندفاع السياسي غير الحصيف، آملاً أن يجد صدى عند كل من بيده الأمر من كل سلطة من السلطات قبل فوات الأوان، وكل معني ومهتم، وما دام في الوقت متسع. وستكون لنا دراسة تفصيلية لاحقاً.

back to top