آآآآخ يا ديرتـي

نشر في 19-07-2023
آخر تحديث 18-07-2023 | 18:24
 حـنان بدر الرومي

تسمرت قدماي أمام النوافذ الكبيرة في الدور الثلاثين لإحدى البنايات الشاهقة داخل مدينة الكويت، ولا أعرف بالتحديد كم من الوقت مضى وأنا أتابع منظر الكويت من ذلك العلو، كانت زرقة السماء تتشابك مع ألوان البحر بتدرجات الأزرق الفيروزي الجميل، المباني موزعة بمساحات متنوعة تتخللها الشوارع والسيارات والأشجار، إنها لوحة جميلة للغاية لا تمل من مشاهدتها، ولكن برغم سعادة عينيّ بما تريانه فإن قلبي انقبض بقوة، وأخذت نفسي تتساءل في حين عيناي أبتا إلا الاستمرار في التحديق في معالم وجمال درة الخليج، لماذا لم نعد نرى الجمال في الكويت؟ لماذا فقدنا لذة الحياة في بلدنا؟

مصيبتنا التي ابتلينا بها هي طغيان المصالح الشخصية على المصلحة العامة للبلد، وتزايد النهم والجشع في سرقة الأموال عبر قنوات متعددة غير مشروعة، وبدأت قائمة أثرياء الفجأة بالتزايد، فلا هم من أصحاب المشاريع المميزة ولا من أهل التجارة والمال.

«ما تعرف منو طقاقك» جملة يقولها أهل الكويت كناية عن تزايد وتدافع المصائب على الإنسان، فلا يعرف بالتحديد من الذي يؤذيه، هذا هو وضعنا بالضبط، فالكويتي الآن يدور حول نفسه، والأخطاء الفادحة تتزايد، وتحيطنا كحبل يلتف على أعناقنا حتى الاختناق، والمصيبة أنهم لا يريدوننا أن نصرخ ونقطع الحبل.

العديد من نوائبنا الأفاضل رفعوا سيوف الدفاع عن حقوق البدون والتجنيس والدفاع عن الوافدين في حين الكويتي الذي انتخبهم لا تزال حقوقه وقضاياه المصيرية على الرف، تنمية البلد غير مهمة المهم حلب ما تبقى من ثروته، إنجازات مجلسنا البطولية تمحورت حول ضم ربات البيوت لكرت «عافية»، وإقرار قانون المدن الإسكانية الذي سيحول سكن المواطن إلى سلعة يتجاذبها تجار العقار والبنوك والشركات، وضحيتها المواطن وعائلته.

صور العديد من النواب وابتساماتهم وصراخهم ما هي إلا استعراض إعلامي فقط، اجتهدوا ونجحوا في تمزيق وطن جميل وزرع الطائفية والعنصرية البغيضة والنفور بين أبناء الشعب، وتقسيمه إلى فريق يؤيد «فلان» والآخر يؤيد «علّان» مستعينين بضعاف النفوس من أصحاب المواقع الإخبارية وغيرها في وسائل التواصل الاجتماعي، حتى زُكمت الأنوف من الروائح الكريهة لصراعات لا دخل لنا فيها، وكأن البلد لا يوجد فيه رجال غيرهم، وكل شيء بحسابه، فالمصالح متبادلة.

إن ما يحدث ليس بالأمر الجديد، بل هو أمر متكرر ولسنوات وعبر مجالس نيابية سابقة، وبتأييد خفي من أصحاب المراكز العليا، ولعلهم يريدون أن نكفر بالديمقراطية، ونطالب بإلغاء مجلس الأمة، ولا ننسى الفضائح المتكررة لقضايا الفساد في وزارات الدولة، وطبعا لا يزال العرض مستمراً حتى إشعار آخر ما دامت البراءة مضمونة، والأملاك داخل الكويت وخارجها توفر الحياة الرغيدة لسابع جيل من الأحفاد.

المناصب القيادية في البلد شاغرة، وإن تم التعيين فهو بالتكليف ولمدد بسيطة لا تتيح للقيادي القيام بالأداء المطلوب، ثم يطلب من القيادي الاستقالة، وضع غريب هذا عدا الاستقالات بالجملة من أغلب القياديين منذ أواخر العام الفائت حتى هذه اللحظة، ولا أعلم ما السبب، إقصاء الكفاءات الوطنية أمر يثير الريبة ويفقدنا الأمان، فهل أبناء البلد لا يملكون القدرة والخبرة والكفاءة أم أن الشك في المواطن الكويتي أصبح هاجسا للأسف الشديد؟!

نعترف بأن الطباع الأصيلة للكويتي تغيرت كثيراً، فسيطرة المادة على الحياة وطمع ابن آدم وجشعه جعلته يتبع كل الأساليب حتى لو بالظلم، أحداث الحلقة الأخيرة للمسلسل الكويتي المميز «على الدنيا السلام» تعرض لنا وبأسلوب درامي مفزع قرار البطلتين (محظوظة) و(مبروكة) القديرتين سعاد عبدالله وحياة الفهد، بالرجوع لمستشفى المجانين بإرادتهما هربا من قسوة الحياة وظلم البشر، فالإنسان النقي وصاحب المبادئ يصطدم دائما بالفاسدين مهما تغيرت أشكالهم ومواقعهم، وترفض نفسه النقية السواد الذي لون سماءنا واختلط مع ارتفاع نسب الثلوث البيئي ليتساوى التلوث على الأرض والسماء.

نحن نتمنى لأبنائنا وأحفادنا حياة عزيزة طيبة ومستقرة في بلدهم الكويت، فهذه الأرض غالية علينا، ولن نسمح أن تقدم هدية ملفوفة بورق السوليفان لغير أهلها.

حفظ الله الكويت وشعبها من كل مكروه.

back to top