حل عملي لمعالجة أزمة صيد الميد

نشر في 19-07-2023
آخر تحديث 18-07-2023 | 18:22
 د. سليمان المطر

آخر ورقة علمية تم نشرها على دراسة مصيد سمكة الميد في المياه الكويتية كانت عام 2013، أي قبل عشر سنوات بواسطة الباحث عادل الصفار والباحث وزنغ شن من معهد الكويت للأبحاث العلمية، وتؤكد الورقة على أن سمكة الميد نوع (Liza klunzingeri) مستوطنة المياه الكويتية، أي أنها تقضي جميع مراحل حياتها في المياه الكويتية، وبالتالي يمكن أن نطلق عليه مخزون الميد في المياه الكويتية، حيث بالإمكان إدارة هذا المخزون دون تأثير لأي نشاط صيد من خارج المياه الكويتية، فهناك مؤشرات واضحة بأن الميد يبيض وترعى صغاره وتنمو في المياه الكويتية، بمعنى أن جميع مراحل دورة حياة هذا النوع تستوطن المياه الكويتية، وهذا لا يعني أن هذا النوع لا يوجد إلا في المياه الكويتية فقط، بل يوجد في المياه السعودية وعلى السواحل الإيرانية، إلا أنها تنتمي إلى مخزونات أخرى خارج المياه الكويتية.

وقد بينت الدراسات أن مخزون الميد في المياه الكويتية يرتكز في بيضها حول جزيرة كبر في موسم الشتاء بداية من نوفمبر، وتستمر حتى فبراير من السنة التالية (خلال أربعة أشهر) وتنزاح الأسماك الصغيرة وتسمى الزوري (وهي صغار الميد) بمساعدة التيارات البحرية وحركتها الذاتية إلى سواحل المياه الكويتية وخصوصا في الشمال، حيث تشاهد أسماك الزوري بداية من أبريل حتى يونيو (عمرها نحو أربعة إلى خمسة أشهر) وترعى بالقرب من الساحل، وبعد أن يصل عمرها إلى نحو سبعة شهور وطولها نحو 10سم تنزاح إلى داخل جون الكويت والمنطقة بين جزيرة فيلكا والجون، حيث تلتقي مع الأمهات التي عمرها أكثر من سنة، والتي سبق أن وضعت بيضها حول جزيرة كبر، وتظل الأسماك اليافعة مع البالغة في هذه المنطقة حتى نهاية أكتوبر، بعدها تنزاح إلى مناطق التكاثر حول جزيرة كبر.

كميات المصيد

تراوحت الكميات المطروحة من الميد في الأسواق بين 147 و592 طنا في السنة على مدى عشر سنوات عندما كان الصيد مسموحا على مدار السنة، وتبين من الدراسة أن طول سمكة الميد يتراوح بين 10 و22 سم وبمتوسط 17سم، ويتراوح وزن السمكة بين 12 و118 غراماً وبمتوسط 70 غراماً، كما تبين أن أغلب أسماك الميد عمرها سنتان، أي أنها تعدّ من الأسماك ذات الأعمار القصيرة، وبالتالي سهولة التحكم في إدارة مخزونها، علماً أن سمك الميد يختلف عن سمك البياح الذي قد يصل حجمه إلى أعلى بكثير عن الميد بالرغم من التشابه في الشكل.

إدارة المخزون

مفهوم إدارة المخزون السمكي ينحصر في تحديد أفضل السبل للصيد من المخزون السمكي دون أن تؤثر كميات المصيد في استدامة المخزون على مر السنوات، ويتطلب ذلك دراسات لمعرفة وحدة المخزون، أي معرفة مناطق تكاثره ومناطق رعي اليوافع، ومناطق رعي الأسماك البالغة، وأوقات انضمام اليوافع إلى الأسماك البالغة، كما يجب معرفة عمر الأسماك وأحجامها، ومن حسن الحظ أن معظم هذه المعلومات متوافرة لمخزون الميد في المياه الكويتية.

بدأ تطبيق قانون منع صيد الميد بداية من شهر نوفمبر حتى نهاية شهر يونيو منذ عدة سنوات، وهذا المنع جيد، حيث يوفر الحماية للأمهات في أن تضع بيوضها، كما يوفر الحماية للزوري في أن ترعى وتكبر قبل أن تنضم إلى الكبار في مناطق الصيد، ولا يوجد أي مانع من فتح موسم صيد الميد من بداية يوليو حتى آخر سبتمبر في المنطقة بين جزيرة فيلكا حتى جون الكويت، وبما فيها داخل الجون ولكن بشروط:

أولاً: تحديد الكمية القصوى التي يسمح بصيدها خلال الموسم، وأقدّر كمية المصيد الممكنة بين 250 و300 طن بعدها يمنع الصيد حتى السنة التالية.

ثانياً: يُحدد عدد الزوارق (الطراريد) المسموح لها بصيد الميد حتى يتم التحكم برصد كميات المصيد، وأن تكون عمليات الصيد ذات جدوى اقتصادية.

ثالثاً: مراجعة سنوية لكمية المصيد المسموح بها، حيث قد تزيد أو تنقص حسب مؤشرات قوة المخزون، أي حجم كميات أسماك الميد الصغيرة (الزوري) حول السواحل بين شهري أبريل ومايو، والتي يقدر لها أن تنضم إلى المخزون بداية من يونيو، ومن حسن الحظ أن مناطق رعي الزوري تنحصر في المياه الكويتية، وبالتالي سهولة رصد وتقدير حجم مجاميعها بواسطة الرصد الجوي.

إن سبل إدارة مخزون سمك الميد في المياه الكويتية ليست صعبة، لكنها تحتاج إلى تعاون بين المؤسسات الكفيلة بإدارته، فهناك حاجة إلى دراسة المخزون سنويا لتحديد كميات المصيد ووضع التوصيات الكفيلة بإدارته على أسس علمية، كما أن هناك حاجة إلى وضع قوانين الحماية وتطبيقها، وأن تكون ذات مرونة وتتغير حسب نتائج الدراسات السنوية، وإن ما تمر به الكويت في هذه الظروف الصعبة يتطلب الحرص على الأمن الغذائي، وقد يكون من المناسب في هذا الظرف إعادة النظر في بعض القرارات التي تم اتخاذها بخصوص منع صيد الميد داخل الجون، والتي لم تتضح جدواها.

وأقترح بناءً على الأسباب التي تم ذكرها أعلاه رفع الحظر على صيد الميد في جون الكويت، مع تحديد كمية المصيد السنوي المسموح به بناءً على الدراسات، بما فيها تقدير سنوي لحجم مجموعات الزوري على السواحل بواسطة الرصد الجوي، ومن خلال الدراسات السنوية يمكن تقييم قوة مخزون الميد واستنتاج كميات المصيد التي يمكن حصادها خلال الموسم مع تحديد عدد الزوارق اللازمة وعدد أيام الصيد.

* مدير دائرة الزراعة البحرية والثروة السمكية بمعهد الكويت للأبحات العلمية سابقاً.

back to top